العالم وحقبة استعمارية للأراضي القطبية

العالم... وحقبة استعمارية للأراضي القطبية

المغرب اليوم -

العالم وحقبة استعمارية للأراضي القطبية

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

هل هي معركة باردة أم ساخنة تلك التي تجري في الآونة الأخيرة في منطقة القطب الشمالي، بين الأقطاب الكونية الكبرى؟

قصة عسكرة القطب الشمالي جارية على قدم وساق، وتنذر بمواجهات عسكرية كبيرة، ويكفي أن يتابع المرء اهتمام الرئيس الأميركي دونالد ترمب بجزيرة غرينلاند، وإصراره على بسط هيمنة بلاده عليها، ليدرك أن هناك قضية ساخنة يمكن أن تنفجر في أي لحظة في المدى الزمني المنظور.

من يملك القطب الشمالي؟

المؤكد أن المعاهدات الدولية تفيد بأن لا أحد يمتلك القطب الشمالي، وإن كانت الدول المشاطئة الخمس -أميركا، روسيا، كندا، الدنمارك، النرويج- تمتلك فقط مائتي ميل بحري كمياه وثلوج إقليمية، وذلك بحسب قانون البحار لعام 1982، غير أن الحقيقة المؤكدة هي أن لا أحد منهم قانع بذلك الحق القانوني، وجميعهم يسعى إلى ما وراء وأبعد على أمل إدراك النصيب الأكبر في منطقة تتجاوز 15 مليون كيلومتر مربع.

لماذا الصراع من حول القطب الشمالي؟

مرد الأمر في واقع الحال يعود إلى سببين؛ الأول: هو الثروات الدفينة في قاع الثلوج، والتي تعود إلى آلاف السنين الغابرة وربما مئات الآلاف. في تقرير لها تقدر دائرة المسح الجيولوجي الأميركية أن 25 في المائة من احتياطي النفط والغاز حول العالم، قابعة هناك، وبمزيد من التفصيل، يوجد نحو 90 مليار برميل من النفط تكفي دولة كبرى مثل الولايات المتحدة لمدة 12 عاماً، عطفاً على 50 تريليون متر مكعب من الغاز، واحتياطات هائلة من الماس والبلاتين، القصدير والمنغنيز، النيكل والرصاص، وربما ما لا نعلم من مواد عالية وغالية الأهمية.

الثاني: هو أن الاحتباس الحراري، الذي أضحى اليوم حالة من الغليان، قد عمل ولا يزال على ذوبان الكثير من الثلوج المتراكمة عبر قرون طوال وأجيال بعيدة، ما يفتح الطريق أمام فكرة الممرات التجارية البديلة، والصالحة للملاحة الدولية، ومنها على سبيل المثال ممر من روسيا إلى أوروبا يختصر الطريق من 21 ألف كم إلى 12 ألف كلم، والمدى الزمني إلى أسبوعين فقط.

تنظر روسيا إلى القطب الشمالي، وكأنه طوق النجاة لها لوجيستياً واقتصادياً، ولهذا تعمل كاسحات الجليد النووية التابعة لشركة «روس آتوم»، على فتح مسارات وممرات في قلب الثلوج المتراكمة، بما يفيدها في كسر عزلتها الجغرافية من جهة، ولمواجهة الحصار الاقتصادي المفروض عليها منذ عام 2014 من جهة ثانية.

يقدر الخبراء القيمة الإجمالية للموارد المعدنية في المنطقة القطبية شمال روسيا بنحو 22.4 تريليون دولار، ما يدفعنا للتساؤل: «هل لهذا تعمل موسكو جاهدة على عسكرة المشهد هناك للحفاظ على حصتها من الثروة المستقبلية؟».

حديث العسكرة ليس بجديد في تلك البقعة الثلجية النائية من العالم، فقد كانت تجرى فيها تجارب نووية في زمن الاتحاد السوفياتي، واليوم تكثف القوات المسلحة الروسية حضورها عبر مطارات ورادارات عملاقة وسفن، ومحاولة بناء مطارات، لتكون لها الكلمة الفصل في المشهد، الأمر الذي دعا «الناتو» لاستشعار نوع من الخطر من جراء التمدد العسكري الروسي.

تبدو روسيا عازمة بالفعل على زيادة وجودها في القطب الشمالي عسكرياً، ولهذا فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وافق بالفعل على خطة لتطوير المنطقة التابعة لروسيا وضمان الأمن القومي الروسي حتى عام 2035.

هل تقف واشنطن مكتوفة الأيدي؟

بالتأكيد لا، وعلى الرغم من عدم امتلاكها كاسحات جليد نووية، كالتي تمتلكها روسيا، فإنها تحاول استئجار بعضها، كما أن سفن البحرية التي تمتلكها، يمكنها الوصول إلى بحر بارنتس من منطقة المياه النظيفة، ولدى واشنطن 27 ألف جندي في منطقة ألاسكا.

تسيّر واشنطن دوريات عسكرية بشكل دائم، وتجري مناورات عسكرية بصورة متصلة، كما أن الإصرار على امتلاك جزيرة غرينادا لا يتعلق فقط بمسألة الهجوم العسكري على الروس؛ ذلك أنه لا تزال لغرينادا أهمية استراتيجية من حيث المراقبة، وهي مهمة لطرق النقل مع ذوبان الجليد.

الصين بدورها ورغم أنها ليست مشاطئة للقطب الشمالي، بل تبعد عنه بنحو 1450 كيلومتراً، فإنها ترى أن سكانها خُمس سكان العالم، ولهذا لها الحق في خمس ثروات القطب الشمالي، ما وراء المائتي ميل بحري للدول الخمس المشاطئة، وقد استثمرت 90 مليار دولار للاستفادة من الممرات الصاعدة، وبدأت منذ سبع سنوات في توسيع أسطولها من كاسحات الجليد.

ويتبقى السؤال: هل ثروات القطب الشمالي نعمة على البشرية أم أن هناك بجانبيها كائنات فيروسية وبكتيرية، ميكروبات وزومبي متجمدة ربما من ملايين السنين قد تصحو فجأة، ما يجعل من النعمة نقمة كارثية على الجنس البشري؟

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم وحقبة استعمارية للأراضي القطبية العالم وحقبة استعمارية للأراضي القطبية



GMT 16:03 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

مائة عام على كتاب هتلر: «كفاحي»

GMT 16:02 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سمومُ موازينِ القوى

GMT 15:57 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

بين الرياض والقاهرة... عَمار

GMT 15:55 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

هل قُتل شيمون بيريز في غزة؟

GMT 15:52 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

ليبيا... زيارة بولس وحديث السبعين مليار دولار

GMT 15:51 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

من يكتب التاريخ؟

GMT 15:50 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

سخونة محلية ..!

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 11:26 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

محطات وشخصيات صنعت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"

GMT 18:53 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:13 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

فيليب ستاين تقدم تشكيلة فريدة من أساور "هوريزون"

GMT 03:40 2017 الجمعة ,21 إبريل / نيسان

طرح عطر متميز بمكون مثير من توقيع Guerlain

GMT 07:25 2014 الإثنين ,17 شباط / فبراير

شركة "SRT" تعرض نسخة خاصة من موديل دودج تشارجر

GMT 00:08 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

شجار بين العامري ولكحل والأخير يغيب عن التدريبات

GMT 01:12 2015 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

خبراء يقدمون دليلًا لقضاء العطلة في أنحاء أفريقيا

GMT 09:42 2015 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

فوائد أكل الزبيب على الريق
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib