عبير الكتب العقّاد والكواكبي والبحث عن الداء

عبير الكتب: العقّاد والكواكبي والبحث عن الداء

المغرب اليوم -

عبير الكتب العقّاد والكواكبي والبحث عن الداء

مشاري الذايدي
بقلم - مشاري الذايدي

لعبّاس العقّاد كتابٌ عن الثائر السياسي والاجتماعي، الوجيه الحلَبي الشهير عبد الرحمن الكواكبي، جمع فيه العقّادُ فأوعى.

شرح العقّاد في هذا الكتاب شخصية الكواكبي ورسم ملامح عصره، والسياق الذي اكتمل فيه فكرُ الكواكبي، والمؤثّرات التي نحتت وجهه السياسي.

أسرة الكواكبي المنتمية للدوحة العلوية الهاشمية، وكانت هي نقيبة الأشراف، ثم سلب الشيخ الصوفي، المتسلّط على خصومه أبو الهدى الصيّادي هذا الشرف من أسرته، وكانت مدينة حلب، كما شرح العقّاد مدينة مفتوحة على كل الأعراق والهجرات، بل إن أسرة أخوال العقّاد، ذات أصول كردية حلبية وفي نفس الوقت تنسب نفسها للسادة العلوية، وكان العقّاد يمازح أخواله، من أهل مدينة أسوان، بهذا.

أمّا صاحبنا الكواكبي، فقد «فتح عينيه على المسائل العامة في إبّان المشكلة الشرقية بين حوادث جبل لبنان وحوادث أرمينية، وأوفى على الكهولة في إبان حركة الجامعة الإسلامية والخلافة العثمانية التي ابتعثها السلطان عبد الحميد الثاني».

هذا «الابتعاث» الحميدي لفكرة الخلافة والجامعة الإسلامية كان زلزالاً فكرياً سياسياً، سخّر له عبد الحميد طيلة عقودٍ من حكمه المال والفتاوى والجواسيس، لذلك نحنُ - بشكل أو آخر - ما زلنا نتمايل مع إيقاع هذه الزلازل الحميدية!

يقول العقّاد: «وليس عبد الحميد أول من تلقَّب بالخلافة من سلاطين آل عثمان، ولكنه كان أول من وضعها هذا الوضع الحاسم في معترك السياسة العالمية والسياسة الداخلية، وأول من جعلها مسألة حياة أو موت في تاريخ الدولة التركية (...) قد تمكَّن رؤساء الترك من زمام الخلافة في عهود كثيرة، ولكنهم تهيَّبوها ولم يتقدموا لادعائها».

ناضل الكواكبي ضد «الاستبداد» العثماني، وله كتابه الشهير «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» ثم كتابه «أُمّ القُرى» الذي تخيّل فيه مؤتمراً سياسياً في مكّة لنخبة من شتّى أبناء المسلمين.

أطلق عليهم ألقاب: «الأستاذ المكي والصاحب الهندي والفاضل الشامي والمولى الرومي والمجتهد التبريزي والرياضي الكردي والعالم النجدي والمحدث اليمني والعلامة المصري والخطيب القازاني، وسائر الألقاب وعناوين الخطاب التي تخللت المساجلات والخطب على ألسنة هؤلاء الأعضاء». يستعرض المؤتمرون أسباب تخلّف المسلمين، إلى أن تنتهي كلها إلى سبب الأسباب في عقيدة الكواكبي كما نفهمها في ديدنه وهِجِّيراه في التفكير؛ الحكومة السيئة والاستبداد. كما لخّص العقّاد.

كان الكواكبي ينعى على العصر أن يرتفع بالجهلاء إلى مساند الأئمة العلماء، ولا بضاعة لهم من العلم والورع إلا بضاعة الحيلة والدسيسة وصناعة الزلفى والتقرب إلى السلاطين والأمراء، وقد ينقلون مناصبهم بالوراثة إلى ذريتهم.

جوهر الكتاب - إذن حسب العقّاد - هو البحث عن علل الأمم الإسلامية وعوامل شفائها.

الآن بعد مرور قرابة القرن ونصف قرن (ت 1902) على لحظات النشاط الكواكبي تتضح لنا مثالية التفكير لدى الكواكبي، رغم شحنته الثورية المخلصة، لكن السبب السياسي (الاستبداد ورواج النفاق وتقديم المتمّلقين) ليس سبباً وحيداً للتأخر، فهناك السبب التقاني والاقتصادي والتعليمي والتربوي، كما أنه ليس كل استبداد سياسي جالباً بالضرورة للتخلّف. أغلبه كذلك، لكن ليس كلّه. نستحضر هنا النماذج السنغافورية والكورية الجنوبية، قبل عصرها الديمقراطي.

رحم الله الكواكبي والعقّاد، وما زال البحثُ جارياً عن أصل الداء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عبير الكتب العقّاد والكواكبي والبحث عن الداء عبير الكتب العقّاد والكواكبي والبحث عن الداء



GMT 12:24 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

«هزيمة» أم «تراجع»؟

GMT 12:23 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة إوهام إيران والإخوان

GMT 12:22 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

رجل لا يتعب من القتل

GMT 12:21 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

عصر الترمبية

GMT 12:18 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

السعودية وهندسة تبريد المنطقة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

قراءة لمسار التفاوض بين واشنطن وطهران

GMT 12:16 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

على رُقعة الشطرنج

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 08:42 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

لبعوض يقض مضاجع ساكنة مدن مغربية

GMT 22:51 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مولدافيا

GMT 15:54 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

الشلقاني تفوز بعضوية المكتب التنفيذي لاتحاد البحر المتوسط

GMT 08:48 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إعصار "مايكل" يسبب خسائر كبيرة في قاعدة "تيندال" الجوية

GMT 14:41 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

تصرفات عقارات دبي تربح 3.43 مليار درهم في أسبوع

GMT 16:21 2015 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الملفوف " الكرنب" لحالات السمنة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib