الإحساس في كلام عبّاس

الإحساس في كلام عبّاس

المغرب اليوم -

الإحساس في كلام عبّاس

مشاري الذايدي
بقلم - مشاري الذايدي

في كلمته المُسهبة أمام المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، برام الله، هاجم الرئيس الفلسطيني محمود عباس «حماس» أكثر من مرة لأنها سبب استمرار مجزرة غزّة وقال إن «شعبنا يخسر كل يوم مئات الضحايا بسبب رفض الحركة تسليم الرهائن». ثم انفعل قائلاً بالعامية: «يا أولاد (...) سلّموا الرهائن (الإسرائيليين) اسحبوا ذرائعهم وخلّينا نخلص».

تابعتُ الخطاب كلّه، ولم أكتفِ بما اقتطفته نشرات الأخبار والسوشيال ميديا، فلاحظت أن عبّاس، الرجل المخضرم في القضية الفلسطينية، كان غاضباً وصريحاً، ليس فقط بخصوص «حماس»، بل بكل القضايا التي تناولها.

لكن بالعودة إلى «أدب الشتائم» في السياسة وخارج السياسة، فهو إرثٌ قديم وحافلٌ، لم ينحصر على أمّة دون أخرى، ويكون هذا السلاح في حروب السياسة، إما مُعدّاً عن سابق تصميم وتخطيط، أو يخرج فجأة، بسبب نوبة غضب، كأي إنسان.

من أذكى وأقبح وأطرف ما قرأتُ في «أدب الشتائم» ما رُوي عن داهية السياسة البريطانية، ونستون تشرشل، فقد شتمته سيّدة من حزب العمّال واتهمته بأنه كان مخموراً في مجلس العموم البريطاني، فردّ تشرشل: «أنتِ قبيحة، وستبقين كذلك طول العمر، أمّا أنا فسأفيق من السكر، وستبقين قبيحة مهما حاولتِ».

أمّا أدبنا العربي فقد احتفى بأدب الشتيمة، ومن ذلك المقامة الدينارية الشهيرة لبديع الزمان، حين تنافس الإسكندري، مع خصمه فيمن يكون أقبح وأبلغ شتماً، حتى يظفر بالدينار العجيب!

فقال الإِسْكَنْدَرِيُّ لخصمه: يَا بَرْدَ العَجُوزِ، يَا كُرْبَةَ تَمُّوزَ، يَا وَسَخَ الكُوزِ، يَا دِرْهَماً لا يَجُوزُ، يَا حَدِيثَ الْمُغِّنينَ، يَا سَنَةَ الْبُوسِ، يَا كَوْكَبَ النَّحُوسِ، يَا رَمَدَ العَيْنِ، يَا غَدَاةَ الْبَيْنِ، يَا فِرَاقَ المُحِبَّيْن، يَا سَاعةَ الحَيْنِ يَا مَقْتَلَ الحُسَيْنِ يَا ثِقَلَ الدَّيْنِ... إلخ.

وردّ المنافس: يَا قَرَّادَ القُرُودِ، يَا لَبُودَ اليَهُودِ، يَا نَكْهَةَ الأُسُودِ، يَا عَدَماً فِي وُجُودٍ، يَا دُخَانَ النِّفْطِ، يَا صُنَانَ الإِبْطِ، يا أفْضَحَ مِنْ عَبْرَةٍ، يَا أَبْغَى مِنْ إِبْرَةٍ، يَا مَهَبِّ الخُفِّ، يا مَدْرَجَةَ الأَكُفِّ، يَا كلِمَةَ لَيْتَ، يا وَكْفَ البيْتِ، يَا كَيْتَ وَكَيْتَ... إلخ.

قَالَ عِيسَى بْنُ هِشامٍ: فَوَ اللهِ مَا عَلِمْتُ أَيَّ الرَّجُلَين أُوثِرُ؟! وَمَا مِنْهُما إِلاَّ بَدِيع الْكَلاَمِ، عَجِيبُ المَقَامِ، أَلَدُّ الخِصَامِ، فَتَرَكْتُهما، وَالدِّينَارُ مُشاعٌ بَيْنَهُمَا، وانْصَرَفْتُ وَمَا أَدْرِي مَا صَنَعَ الدَّهْرُ بِهِمَا.

إذن فإن الشتيمة قد تكون في بعض الأحيان لوناً بليغاً من البيان، يختصر الكَلام بشفرة الكِلام، ويبدو أن الشيخ عبّاس سئم من كثرة الحكي فيما لا حصيلة منه، فأبلغ وأوجع وترك الخلق جرّاها يختصمون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإحساس في كلام عبّاس الإحساس في كلام عبّاس



GMT 16:49 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

المطلوب

GMT 16:47 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

قرار تأخر 79 عاما

GMT 16:43 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

هيروشيما تتكلم

GMT 16:41 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

دارفور وعرب الشتات وأحاديث الانفصال

GMT 16:33 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

خيار الفاتيكان القادم: الكرازة أم التعاليم؟

GMT 16:31 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

السوداني والإخوة الحائرون

GMT 16:30 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

... والجامعيون أيضاً أيها الرئيس!

نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 21:09 2015 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من اختفاء الأنهار الجليدية في النمسا

GMT 03:57 2022 الثلاثاء ,11 كانون الثاني / يناير

هزتان أرضيتان تضربان محافظة السليمانية في العراق

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 08:06 2019 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

سحر طنجة يجذب رسامي الاستشراق في القرن التاسع عشر

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 09:53 2019 الجمعة ,08 آذار/ مارس

مطاعم في دبي تطير بك إلى بلدان مختلفة

GMT 19:47 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"عسكري" سابق يقتل شاب دفاعًا عن بن عمه في إقليم "خنيفرة"

GMT 00:40 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان خليل تُؤكِّد مُشاركتها في"رأس السنة"و"كازابانكا"

GMT 08:41 2018 الجمعة ,17 آب / أغسطس

تعرفي على فوائد الذرة للوقاية من الأمراض

GMT 06:44 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

"Jimbaran Outdoor" وجهتك المثالية لقضاء وقت ممتع

GMT 08:13 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

علماء يتوصلون لشظايا نيزك يبلغ طوله 6 أقدام

GMT 12:02 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

مولودية وجدة لكرة الطاولة تحقق تحقق انتصارًا ثمينًا

GMT 21:05 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

وفاة لاعب نادي الشمس والأعضاء ينظمون وقفة احتجاجية

GMT 04:08 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

"سيفورا" تقدم مجموعة مكياج Minnie Beautyلموسم 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib