الأرض هي العرض

الأرض هي العرض

المغرب اليوم -

الأرض هي العرض

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

كما غيرهم من شعوب العالم العربي، تردد على لسان معظم الفلسطينيين، منذ سحيق الأزمان، مَثلٌ شعبيٌّ يزعق مضمونه قائلاً إن «الأرض قبل العرض». واضح أن مقصد المثل هو التعبير بحماسة تفوق كل تقدير موضوعي، عن تأكيد التصاق الإنسان بأرض الآباء والجدود، حتى لو تطلب الأمر، ممن قد يواجه هكذا موقف، دفع غالي الثمن، مِثل التضحية بعِرضه فداء أرضه. قبل أي استرسال، يجدر سَوق توضيح مهم، خلاصته أن بعض المجتمعات العربية تعكس ترتيب كلمات المَثل المُشار إليه، فيتبدل إنشاء العبارة إلى: «العرض قبل الأرض». أدرك مُسبقاً، أنني على الأرجح أجازف بتعريض النفس لكثير من الانتقاد الغاضب، عند إبداء رأي صريح في مبالغة كلام كهذا، لكنني سوف أفعل مستنداً لمنطق العقل، لا أقل، ولا أكثر، فأقول إن مجرد تخيل المرء في مأزق وضع يستدعي منه أن يفاضل بين الأرض وبين العِرض، أو العكس، يحمل في حد ذاته الكثير من التسفيه لكرامة الإنسان، أياً كان معتقده، حاضره، تراثه، ماضيه، وتطلعه إلى مستقبل أكثر إنسانية وإشراقاً، له ولأجيال مجتمعه سواء الآنية، أو تلك الآتية على أجنحة الغد الأفضل.
ما استحضر ذلك المثل الشعبي مدخلاً لهذا المقال، هو أن الموضوع يتعلق بيوم صار من العلامات المضيئة في روزنامة الشعب الفلسطيني هو «يوم الأرض». معروف للجميع، إنما ليس من ضرر في التذكير، أن إطلاق هذه الصفة على ثلاثين مارس (آذار) من كل عام، يرجع إلى ما وقع نهار ذلك اليوم ذاته سنة 1976 عندما قرر الفلسطينيون خلف ما يُسمى «الخط الأخضر»، التصدي لقرار حكومة إسرائيل مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي المملوكة لمواطنين عرب، بدعوى أن «الصالح العام» يوجب هكذا إجراء ظالم. يومذاك، عم إضراب فلسطيني شامل فلسطين الطبيعية كلها، من أقصى الجليل في الشمال، إلى عمق الجنوب في النقب. خلال المواجهات التي جرت مع وحدات من جيش إسرائيل، وقوات شرطتها المدججة بالسلاح، سقط ستة قتلى مدنيين عزل، وجرح المئات، وألقي القبض على مئات أيضاً. يومذاك، كان مواطنو إسرائيل العرب يقولون بالفم الملآن، ويكتبون بالدم أن الإصرار على فلسطينية الأرض سوف يبقى بمثابة «الخط الأحمر»، حتى لو على معظم أجزائها نهض كيان يعترف به، سياسياً، العالم أجمع، تقريباً، يحمل اسم دولة إسرائيل.
بيد أن الثبات على هذا الإصرار، لم يحل دون استشعار فلسطينيي إسرائيل أهمية ولوج ساحات العمل السياسي، لأجل الدفاع، في الأساس، عن حقوقهم كمواطنين في دولة تدعي أنها «الدولة الديمقراطية الوحيدة» في المنطقة كلها. إذ ذاك هو الحال المزعوم، فقد أحسن فلسطينيو تلك الدولة ذاتها اختيار النهج الذي من شأنه أن يضع سياسات ساستها، وكذلك واقع الأحاسيس الكارهة لكل فلسطيني، المختبئة تحت مسامات مستوطنيها، والكثير من أهلها حتى خارج المستوطنات، على المحك العملي، فكان الدخول إلى صفوف الأحزاب، أولاً. يجب أن يُسجل هنا، موضوعياً، أن شيوعيي فلسطين كانت لهم الريادة في هذا السياق، تبعهم معتنقو الفكر العروبي، ثم لحق ذوو المعتقد الديني من التيار الإسلامي بالسباق كذلك، فدخلوا الحلبة، وها هم ممثلون لهم يجلسون في مقاعد حكومية، ويحملون حقائب وزارية. ذلك كله عكس واقعية في التفكير، جداً مطلوبة، وهو نوع من الأخذ بأسباب من شأنها المساعدة على سد الذرائع، أو ما أمكن منها، أمام إلحاق الأذى على نحو ممنهج بممتلكات وحقوق الفلسطيني، رغم أنه «مواطن إسرائيلي»، خصوصاً في المناطق القديمة، والأحياء ذات العبق التاريخي، بمدن مثل عكا، حيفا، يافا، الناصرة، وغيرها.
أبعد مما سبق، اقتحام عرب إسرائيل أنفاق العمل السياسي، لم يمنع مبادرتهم إلى تقديم كل ما استطاعوا إليه سبيلاً من الدعم والمؤازرة، لأهلهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، منذ أول انتفاضة (1987) وحتى آخر حرب، والأرجح ليست الأخيرة، شنتها آلة إسرائيل الحربية على غزة الناس (2018)، بزعم أن الهدف هم مقاتلو حركة «حماس» وحدهم. واحد وثلاثون عاماً تفصل بين شتاء عام الانتفاضة الأولى، وشتاء آخر المعارك، جرت خلالها أنهار من مياه تقلبات الساحة الفلسطينية ذاتها، سياسياً، سواء تحت جسور قيادات الأحزاب والحركات، أو في الأنفاق القتالية أيضاً. تُرى؛ هل أن زعماء فصائل الفلسطينيين، وقادة حركاتهم، باختلاف أطيافها، يبيحون لأنفسهم أحياناً مجرد التساؤل: أكان ممكناً لقليل من الواقعية تغيير الواقع الفلسطيني القائم الآن، إلى الأفضل، ولو قليلاً؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأرض هي العرض الأرض هي العرض



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون

GMT 15:10 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

ما صدر في قضية بورسعيد قرار والحكم 9 مارس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib