التوازن الدقيق بين أمن المجتمع وحرية الأفراد

التوازن الدقيق بين أمن المجتمع وحرية الأفراد

المغرب اليوم -

التوازن الدقيق بين أمن المجتمع وحرية الأفراد

عماد الدين حسين
بقلم - عماد الدين حسين

 كيف يمكن تحقيق التوازن بين حق كل المجتمع فى الأمن والاستقرار، وحق كل متهم فى الحرية؟! هذا السؤال سمعته يتكرر كثيرا على لسان بعض الحاضرين والمتناقشين فى جلسات الحوار الوطنى لقضية الحبس الاحتياطى. السؤال مهم ومنطقى وطبيعى، وإذا تمكن أى مجتمع من الإجابة عنه بصورة صحيحة ومتوازنة، فالمؤكد أنه سيتمكن من حل هذه المعضلة التى يمكن أن تواجهه فى فترة زمنية عصيبة.

فى قضية الحبس الاحتياطى فإن غالبية النشطاء وأنصار الحرية المطلقة لا تشغلهم بالمرة قضية حق المجتمع فى العيش بأمان واستقرار. كل ما يشغلهم هو حقهم فى التعبير عن آرائهم وأفكارهم حتى لو كانت ستؤدى إلى هلاك المجتمع بأكمله.

هنا قد يستغرب البعض من هذا الطرح ويقول إن حق حرية الرأى والتعبير مقدس وهذا صحيح، لكن بشرط ألا يقود ذلك إلى ارتكاب جرائم تهز أمن المجتمع. فمثلا الدعوة إلى التمرد والتحريض على العنف والإرهاب، ليست حرية رأى بل جريمة كاملة. وحرية رأيك تتوقف فى اللحظة التى تمس فيها حرية الآخرين.

الناشط لا ينشغل كثيرا ببقية المجتمع، وقد يشط ويتطرف فى هذه الحرية بصورة قد تدمر المجتمع بأكمله. لكن وحتى تكون الصورة موضوعية فإن غالبية أنصار الدولة والحكومة قد لا تشغلهم كثيرا قضية حرية الفرد وحقه فى التعبير. هذا الفريق يرى أن الأولوية الأولى والثانية والثالثة هى استقرار وأمن المجتمع، حتى لو أدى ذلك إلى تقييد حرية بعض الأفراد. ويتوسع أنصار هذا الرأى فى الأمر لدرجة أنهم يقولون إن أمن المجتمع مقدم تماما على أى شىء آخر، لأن السماح لأنصار «الآراء الهدامة والمتطرفة»، سيقود إلى فوضى لا حدود لها، وبالتالى يمكن أن يؤدى ذلك إلى انهيار المجتمع بصورة كاملة. يؤمن أصحاب هذا الرأى أيضا بأن التضحية بحرية بعض الأفراد أمر لا مشكلة كبيرة فيه ما دام أن المجتمع سوف يظل متماسكا.

ما سبق وجهتا نظر الفريقين، لكن من وجهة نظرى فهناك رأى ثالث أقرب إلى الموضوعية وهو كيفية تحقيق التوازن الدقيق بين هذين الرأيين، بحيث نضمن أمن المجتمع واستقراره، وفى نفس الوقت ضمان أكبر قدر ممكن من حرية الأفراد الذين يمارسون حرية الرأى. بما يضمن حقهم أولا، ولا يقود فى نفس الوقت لهز الاستقرار فى المجتمع.

وبمناسبة النقاشات المهمة فى الحوار الوطنى بشأن قضية الحبس الاحتياطى، فالقضية ليست أبيض وأسود، بل شديدة الرمادية تماما. وهو ليس تعبيرا سلبيا على اعتبار أن كثيرين لا يفضلون اللون الرمادى، بل المقصود أن هناك تداخلات وتدرجات كثيرة ومتشعبة بين أصحاب الرأيين بحيث لا يمكنك أن تحسم أى رأى هو الصحيح تماما. القضية أيضا ليست متعلقة فقط بالنصوص والقوانين والتشريعات. على سبيل المثال يمكن أن يكون لديك أفضل النصوص والتشريعات، ورغم ذلك تكون لديك نفس المشكلة، الفيصل هنا فى هذه الحالة وفى حالات أخرى مشابهة كثيرة هى المناخ العام والسياسات المتبعة، ودرجة التعامل على أرض الواقع ليس فقط فى عالم السياسة، بل فى السياسات القضائية أيضا. يمكن أن يكون لديك أفضل التشريعات والنصوص، لكن قيام موظف أو بعض الموظفين بممارسات خاطئة يمكن أن ينسف كل شىء وأعرف كثيرا من الأمثلة التى عرقلت وعطلت فيها «جمهورية صغار الموظفين» العديد من المشروعات المهمة والكبرى وتسببت فى خسائر كبرى لكل المجتمع.

ثم إنه وفى قضية الحبس الاحتياطى فهناك حاجة ملحة للوصول إلى صياغات مبتكرة قابلة للتنفيذ العملى فى بعض النقاط خصوصا قضية تعدد الجرائم وتعاصرها، فى ظنى الشخصى أن النقاشات التى شهدها الحوار الوطنى فى هذه القضية كانت شديدة الإيجابية، ويمكن أن تقود إلى بدء حل هذه المعضلة التى تؤرق قطاعا مهما من المجتمع، خصوصا أن مناقشات مجلس النواب الجارية الآن عبر بعض لجانه بشأن هذه القضية فى قانون الإجراءات الجنائية إيجابية جدا، وتلتقى مع توصيات الحوار الوطنى فى نقاط كثيرة. كل الأمل فى تحقيق التوازن بين أمن المجتمع وحرية الأفراد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التوازن الدقيق بين أمن المجتمع وحرية الأفراد التوازن الدقيق بين أمن المجتمع وحرية الأفراد



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 01:02 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر
المغرب اليوم - زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib