هل بدأ السودان يخطو نحو الحوار الشامل

هل بدأ السودان يخطو نحو الحوار الشامل؟

المغرب اليوم -

هل بدأ السودان يخطو نحو الحوار الشامل

عثمان ميرغني
بقلم - عثمان ميرغني

من الصعب أن يتفق السودانيون على أمر في السياسة. الجدل المستمر، والخلاف الذي لا ينتهي، والتمترس وراء الآراء الحدية، سمات ظلت ملازمة للمشهد السوداني منذ أمد طويل، على الأقل منذ الاستقلال قبل نحو سبعة عقود.

من هذا المنظور لم يكن غريباً أن تشتعل المجالس والمنصات السودانية بالجدل الشديد حول قرار تعيين الدكتور كامل الطيب إدريس رئيساً للوزراء. خلاف حول الخطوة، وخلاف حول الشخص. وخلاف حول الخلاف.

تقديري أن القرار خطوة جيدة تنهي حالة الفراغ التنفيذي وشغل المناصب الوزارية بالتكليف. فلأول مرة منذ ما يزيد على ثلاث سنوات بقليل، يعين رئيس وزراء لا يكون مكلفاً فقط، بل بتعيين كامل وبصلاحيات يفترض أن تكون واسعة، وهو أمر سيختبر مع الممارسة والتحديات الكثيرة التي ستتوالى على حكومته في هذه الأوقات الصعبة.

كذلك جاء التعيين بشخصية مدنية مستقلة من التكنوقراط إلى المنصب، ما يرسخ لمبدأ كان مطلوباً بشدة، وتدعو له أطراف كثيرة تريد رؤية خطوات نحو استعادة مسار التحول المدني الديمقراطي الذي تعطل بإطاحة حكومة حمدوك، ونتيجة الصراعات التي فجرت الأوضاع وقادت إلى الحرب الراهنة. الاتحاد الأفريقي رأى الخطوة من هذا المنظور فرحب بها، وعدّها تطوراً مهماً يمكن أن يسهم في جهود استعادة النظام الدستوري والحكم الديمقراطي. كذلك رأتها الجامعة العربية خطوة مهمة نحو استعادة عمل المؤسسات الوطنية المدنية، بينما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن أمله أن تكون هذه خطوة أولى نحو مشاورات شاملة لتشكيل حكومة تكنوقراط واسعة التمثيل، مشدداً على ضرورة إعطاء الأولوية لجهود التوافق الوطني.

الحقيقة أن استعادة المسار المدني الديمقراطي تحتاج خطوات كثيرة، وتدرجاً بالضرورة في ظل الأوضاع الراهنة، وظروف الحرب التي فرضت نفسها على كل شيء آخر، وأصبحت هي هم الناس الأول وشاغلهم الأكبر. فقبل تعيين رئيس الوزراء الجديد، كان كثيرون ينتقدون قيادة الجيش ومجلس السيادة بسبب التردد والتباطؤ في تعيين حكومة مدنية كاملة وبصلاحيات تنفيذية واسعة لتحريك دولاب العمل الحكومي، والعمل على تلبية الاحتياجات الضرورية والخدمات الأساسية.

الحكومة الجديدة عندما تُشكل، ستكون مهمة إعادة البناء والإعمار وتوفير الخدمات الأساسية على رأس أولوياتها، كي تعود الحياة إلى طبيعتها تدريجياً، وتتسارع عودة المواطنين النازحين في الداخل أو اللاجئين في الخارج. فهذه ليست حكومة سياسية ببرنامج حزبي، ولا يتوقع منها أن تنخرط في صراعات أو تدخل في تكتلات، بل هي حكومة فنية مهمتها الأساسية يُفترض أن تكون الخدمات، بينما يتفرغ الجيش لمهمته التالية في استعادة السيطرة على كامل كردفان ثم دارفور.

وقد جاء تعيين رئيس الوزراء الجديد بالتزامن مع إعلان ولاية الخرطوم كاملة خالية من «قوات الدعم السريع» بعد دحرها في آخر معاقلها المتبقية، بما يفتح الباب أمام عودة الحكومة ولو بشكل تدريجي لاستئناف عملها من العاصمة، وهي خطوة ستكون لها مدلولات رمزية كبيرة.

الدكتور كامل إدريس استهل تعيينه بإعلان أنه لن يتقاضى مخصصات مالية ولا سكناً حكومياً، وسيقدم شهادة إبراء الذمة المالية، في بادرة حُسن نية يتمنى المرء ألا تكون مجرد خطوة رمزية دعائية. فالمهم هو أن تضع الحكومة الجديدة محاربة الفساد ضمن أولوياتها المتقدمة في وقت أصبحت المجالس تضج بأحاديث الفساد في أروقة الدولة ومراكز القرار. وسيكون هذا الأمر اختباراً حقيقياً لرئيس الوزراء الجديد، لأنه لا يمكن للحكومة أن تنجح إذا لم تحارب هذه الظاهرة المتفشية، ولا يمكن للسودان أن يخطو إلى الأمام، إذا كانت الموارد المحدودة تذهب إلى جيوب المستفيدين لا إلى الخدمات الضرورية وجهود إعادة البناء الملحة. فالفساد سيئ بالمطلق، وفي ظروف الحرب والحاجة إلى إعادة الإعمار فهو كارثي.

السؤال هو هل ستبقى الحكومة الجديدة حكومة خدمات فقط، أم أنها يمكن أن تسهم في بدء خطوات إطلاق حوار سوداني - سوداني؟

لو أننا قرأنا الإعلان عن تسمية رئيس الوزراء الجديد مقروناً بتجديد الحديث عن خريطة الطريق التي قدمتها الحكومة للأمم المتحدة أولا، ثم أكدتها أمام القمة العربية في بغداد هذا الأسبوع، فإن هناك ما يوحي بإمكانية حدوث تحرك نحو الحوار الشامل الذي كثر الحديث بشأنه من دون خطوات عملية لوضعه موضع التنفيذ. فالقيادات العسكرية بعد استعادتها السيطرة على أنحاء واسعة من البلاد وآخرها العاصمة، بدأت تركز على حملتها في كردفان ودارفور، وتتحدث عن أن الحرب في خواتيمها، وفقاً لتقديراتها العسكرية.

من هنا، فإن الباب قد يكون مشرعاً نحو خطوات استعادة المسار الانتقالي والتحول المدني الديمقراطي بدءاً بالحوار الشامل. الأمر لن يكون من دون تحديات، ولن يتحقق بالتمنيات، أو المعادلات الإقصائية الصفرية، بل بالواقعية التي ترى في كل فرصة نافذة تستحق طرقها لا إغلاقها. والحكومة المدنية الجديدة قد تكون فرصة يمكن استغلالها، بدلاً من نسفها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل بدأ السودان يخطو نحو الحوار الشامل هل بدأ السودان يخطو نحو الحوار الشامل



GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 21:04 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 21:03 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«تامر يَجُرّ شَكَل عمرو!»

GMT 21:01 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

رياح يوليو 1952

GMT 20:59 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

لا يجوز في الساحل ولا يليق

GMT 20:58 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

الوزير الخائن دمر الفسطاط (1)

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حرب المساعدات

GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 19:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib