هربًا من الحرب إلى خفة دم الفراعنة ٢
الرئيس الأميركي يبدأ جولة دبلوماسية في منطقة الخليج العربي من 13 إلى 16 مايو 2025 تشمل السعودية والإمارات السلطات السورية تعتقل كامل عباس أحد أبرز المتورطين في مجزرة التضامن في دمشق وزارة الصحة الفلسطينية تعلن الحصيلة الإجمالية منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر 2023 بلغت 51,266 شهيدًا و116,991 إصابة الشرطة الإسرائيلية تبحث عن رجل مفقود بعد تعرضه لهجوم سمكة قرش قبالة الساحل إسرائيل تحذف تعزية في وفاة البابا فرنسيس بعد موجة غضب واسع وردود فعل غاضبة من متابعين حول العالم وفاة الفنان المغربي محسن جمال عن 77 عاماً بعد صراع مع المرض الجامعة الملكية المغربية لكرة السلة تقرر توقيف منافسات البطولة الوطنية في جميع الأقسام بصفة مؤقتة وطارئة الصين تطلق ستة أقمار اصطناعية تجريبية من طراز "شيان 27" إلى الفضاء شاب يخسر أكثر من 2400 دولار بعد تحميل صورة عبر واتساب وزارة الصحة الفلسطينية تعلن عن نقص حاد فى مواد الفحص يحرم مرضى الأورام من التشخيص
أخر الأخبار

هربًا من الحرب إلى خفة دم الفراعنة (٢)

المغرب اليوم -

هربًا من الحرب إلى خفة دم الفراعنة ٢

زاهي حواس
بقلم : زاهي حواس

كان من المفترض بل والمخطط له أن يتم نشر هذا المقال منذ أسابيع مضت، إلحاقًا بالجزء الأول الذى تم نشره بتاريخ الثامن من شهر مارس الماضى، ولكن حالت الظروف والأحداث دون ذلك، ونعود اليوم لاستكمال ما بدأناه من قبل. وقد أكدنا فى المقال الأول أن روح الدعابة والفكاهة أو ما أطلق عليه المصريون مصطلح «خفة الدم، وأحيانًا قليلة خفة الظل» كان ولا يزال جزءًا أصيلًا من نسيج ومكونات الشخصية المصرية منذ أزمنتها الأولى وإلى الآن.

والغريب أن أجدادنا الفراعنة هم أول من كتب النكتة بأنواعها السياسية والاجتماعية. وهم أيضًا أول شعوب الأرض استخدامًا للنكتة للتعبير ونقض الأحوال السياسية والاجتماعية، ووصل الحال بالفراعنة وروحهم المرحة الخلّاقة إلى عدم الاكتفاء بالنكتة المكتوبة والمباشرة فقط، بل اخترعوا كذلك النكتة المصورة أو ما نعرفه الآن بفن الكاريكاتير! وقد وصل الفنان المصرى القديم إلى أسمى مراتب الإبداع فى هذا المجال وعرف استخدام الرموز للتورية والكناية وغيرهما، وذلك لنقض أوضاع مجتمعه السياسية والاجتماعية.

ولم تخل كذلك جدران مقابر الفراعنة من إبداعات فن الفكاهة، وهو أمر مثير للعجب، حيث يخيل لنا دائمًا أن المقابر يجب أن تكون بنايات كئيبة تحمل ظلمة الموت والفناء بين جنباتها، ولكن بالنسبة للفراعنة كانت جدران المقبرة مساحات إبداع شغلها الفنان المصرى القديم بمناظر تشع بالحياة والبهجة وتبعث الأمل فى حياة أخرى أبدية سعيدة للمتوفى مع من يحب من عائلته وأصدقائه. ولم يجد الفنان الفرعونى غضاضة فى كتابة النكات اللاذعة وتصوير مناظر فكاهية على جدران المقبرة، إما عن قرار اتخذه هو بنفسه ووافق عليه صاحب المقبرة، أو بأوامر مباشرة من صاحب المقبرة شخصيًا.

فهذا فنان يسخر من هيئة رئيس العمال أو رئيس الفنانين، فيصوره سمينًا مكتنزًا اللحم والشحم، حتى صار غير قادر على النهوض من مكانه فاستسلم للجلوس، وتسابق الخدم على إحضار الطعام والشراب إليه. ومنظر آخر يصوّر فتى يجرى مسرعًا ناحية راعى البقر الذى يقوم بحلب بقرة، وقد أمسك الفتى بإناء يطلب من الراعى أن يملأه له باللبن قائلًا: «أسرع قبل أن يرانا صاحب البقر».

ويصوّر منظرًا بديعًا للسوق المصرية فى زمن الدولة القديمة وعصر بناة الأهرامات، وقد انتهز صبى صغير مشاغب انشغال بائع التين بالبيع، فقام بسرقة ثمرة من بضاعة الرجل، ولسوء حظه رآه قرد فانقض على ساق الفتى الذى أخذ يستغيث بصاحب القرد، مطالبا إياه بإنقاذه من القرد. فهل قصد الفنان أن القرد أكثر خلقًا وأدبًا من الفتى السارق؟ وأن القرد يعرف أن السرقة لا تجوز وأن ما ارتكبه الصبى يستحق العقاب عليه؟ أم تراه يسخر من قرداتى أحسن تربية قرد، بينما هناك من لم يحسنوا تربية أولادهم؟ ليس من المهم معرفة قصد الفنان، بل المهم استشعار تلك الروح الخلاقة التى تطوق دائمًا إلى البهجة والسعادة.

وصل إلينا مئات من أعمال الكاريكاتير المصورة على قطع من الحجر الجيرى وكسرات الفخار، بل وعلى أوراق البردى كذلك، تصف وتسخر من الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالمجتمع المصرى القديم. ومن أطرف أعمال الكاريكاتير الفرعونى منظر يعود إلى عصر الانتقال الثالث عندما حكم الأجانب مصر واختلت الأوضاع التى عبر عنها الفنان بتصوير مجموعة من الفئران القوية الفتية وقد كونت جيشًا وارتدى ملابس الجند وحملت الأسلحة وهى تقوم بالهجوم على حصن منيع للقطط المرتعدة خوفًا من الفئران التى ترميها بالسهام.

وتقوم بتحطيم الحصن بالدروع والبلط، بل إن الجنود الفئران قاموا بإحضار سلم للصعود عليه ودخول الحصن، وذلك تحت قيادة زعيمهم المغوار، وهو فأر كبير على عجلته الحربية التى يجرها كلبان! بينما صورت القطط داخل الحصن وهى مذعورة تموت رعبًا وهى لا تعرف كيف تصد هجوم هذا الجيش. المعنى من وراء هذا الكاريكاتير واضح، وهو أن مصر القوية عندما تضعف يطمع فيها العدو الجبان وتستأسد عليها الجرذان، وتنقلب الأوضاع فيصبح العزيز ذليلًا والوضيع جريئًا.

وعلى هذا نرى أن هذا الكاريكاتير قد عبر حدود الحدث المعين والتاريخ المحدد ليصير عنوانًا على تلك الأوضاع فى كل الأزمان المتعاقبة على مصر. ولتأكيد المعنى نرى على قطعة أوستراكا (قطعة من الحجر الجيرى) فأرًا سمينًا منعمًا يرتدى الثمين من الثياب الكتانية، ويجلس على كرسى وثير، بينما يقوم على خدمته قط هزيل يقدم له شرابًا، يتناوله الفأر عن طريق ماصة (شاليمو) من البوص، لكى لا يرهق الفأر نفسه بحمل الكأس بيديه! وبطبيعة الحال كان الكاريكاتير السياسى أداة مهمة للمطالبة بتغيير الأوضاع، وطرد المحتل وعودة مصر لوضعها الطبيعى بلدًا يقود ولا ينقاد.

وعن تولى من لا يستحق للمناصب، وإسناد الأمر لغير أهله، صور الفنان الفرعونى قطًا ثمينًا يرعى قطيعًا من الأوز، وهو ما يذكرنا بالمثل الشعبى الدارج «مسكوا القط مفتاح الكرار ـ أى بيت الخزين».

وفى كاريكاتير آخر، صور الفنان الفرعونى ثعلبًا ماكرًا يقوم برعى قطيع من الأوز ويعزف لها على الناى ليسحرها. وفى كاريكاتير ظريف نجد حارسا على مخزن حبوب وقد راح فى سبات عميق تاركًا باب صومعة الغلال مفتوحًا وكأنه يدعو السارقين لسرقته. وكان هذا عنوانًا على الإهمال واللامبالاة التى انتشرت فى مجتمع بدأ يتكاسل عن العمل والإنتاج.

وعندما ساءت أحوال المجتمع المصرى تحت سيطرة الغزاة الأجانب، صوّر الفنان رسمًا كاريكاتيريًا لفأرة دميمة منعمة (أميرة أجنبية)، تقوم على خدمتها ووضع زينتها خادمة كانت يومًا أميرة مصرية. وكاريكاتير آخر يصور الفأرة المتصابية تلك وهى فى كامل زينتها تشرب خمرًا وبيدها تفاحة وتستعد لالتهام أوزة مشوية تقدمها لها قطة هزيلة من شدة الجوع. وفى كاريكاتير آخر، صور الفنان فأرًا كناية عن الحاكم الأجنبى وهو يعطى أوامره لقط ليقوم بتأديب شاب مصرى بضربه بالعصا على ظهره.

وللتعبير عن تغير الأحوال واختلال الموازين، نجد اثنين من الجديان يجلسان متقابلين وبينهما رقعة الشطرنج وقد راحا يتنافسان فى اللعب؛ ومنظر يصور حمارا وقد استولى على كرسى القضاء ليحاكم الناس ويفصل بينهم، وحاجبه ثور قوى، بينما المتهم قط مصرى أصيل. بالفعل كانت الفكاهة عند المصرى القديم تتجلى فى أبهى صورها فى أوقات الشدة والعسرة.. فعندما نخر الكسل والتواكل فى المجتمع المصرى القديم الذى عُرف بقوة العزيمة والعمل المبدع، صور فنان عبقرى من أجدادنا الفراعنة فرس نهر مكتنزًا نسى طبيعته ومكانته بين أقرانه، وراح يتسلق شجرة لا لشىء سوى ليستولى على عش طائر بائس.

ليس هذا فقط، بل إن هذا الطائر، وهو يشبه الغراب، بدلًا من أن نراه محلقًا فى السماء بجناحيه لينقض على فرس النهر، لكى يحمى عشه؛ نجده على غير المتوقع يحضر سلما لكى يصعد عليه حيث مكان فرس النهر والعش لكى يثنيه عن فعله! وبالمثل نجد تصويرًا آخر لمركب ملكى لا يليق إلا بأمير أو ملك، بينما الجالس على ظهر المركب ما هو إلا حمار سعيد الحظ، ساعدته ظروف المجتمع المتردية إلى الترقى حتى صار من الأعيان الذين يمتلكون المراكب.

هكذا عبر الفنان الفرعونى عن تغير أحوال المجتمع وتخليه عن قيمه وتقاليده. ولا تزال الأمثال المصرية تعبر عن نفس روح الفكاهة عند الفراعنة، فمثلًا يقول المثل الشعبى «لما الحال يتبدل القرد يطبل»، وكأن من قال هذا المثل الشعبى قد رأى ما رسمه الفنان الفرعونى من كاريكاتير معبر عن تغير الأحوال وانقلاب الموازين فى المجتمع، فنرى قردًا واقفًا ينقر على طبلة، بينما القرداتى أخذ يتمايل ويرقص بعدما أخذ مكان القرد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هربًا من الحرب إلى خفة دم الفراعنة ٢ هربًا من الحرب إلى خفة دم الفراعنة ٢



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:48 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات الجينز من مجموعة أزياء كروز 2020

GMT 21:16 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

الغيرة تفسر أزمات بيريسيتش في إنتر ميلان

GMT 17:15 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

دراسة طبية تكشف دور البذور والمكسرات في حماية القلب

GMT 00:11 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

خلطة التفاح تساعد على سد الشهية وفقدان الوزن

GMT 10:25 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

إيلي صعب يكشف عن مجموعته لربيع وصيف 2018

GMT 01:51 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الفنانة بشرى تفصح عن سبب ابتعادها عن الفن أخيرًا

GMT 12:22 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

عموتة يفوز بجائزة أفضل مُدرِّب في أفريقيا

GMT 02:40 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة يعلن صعوبة انتقاء الأغنية الأفضل

GMT 14:17 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

قصيدة عشّاق

GMT 06:19 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

لجين عمران تتألّق خلال افتتاح فندق الحبتور في دبي

GMT 14:15 2016 الأربعاء ,30 آذار/ مارس

هجمات بروكسيل و سؤال العنف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib