طرق لها تاريخ

طرق لها تاريخ

المغرب اليوم -

طرق لها تاريخ

زاهي حواس
بقلم : زاهي حواس

قبل أن يصنع الإنسان السفن ويركب البحار ويكتشف ما وراءها كانت الأرض هي مسرح نشاطه الوحيد؛ سكن السهول والجبال والصحراء، وتكيَّف مع مختلف البيئات الجافة والمطيرة؛ الحارة والباردة بل المتجمدة كذلك. وفي كل مكان على سطح الأرض عاش فيه الإنسان كان الانتقال من مكان إلى مكان ومن موطن إلى آخر يستلزم الكثير من الإعداد والإمكانات التي تختلف حسب الهدف من هذا الانتقال وصبغته (هجرة، تجارة، سياحة دينية أو ثقافية... إلخ).

لقد تميزت الجزيرة العربية بأن موقعها في قلب العالم القديم وحضاراته مما جعلها ومنذ فجر التاريخ معبراً ومحطة تلاقٍ مهمة بين تلك الحضارات وثقافاتها. وفي العصور القديمة وقبل ظهور الإسلام كانت القوافل التجارية تنقل منتجات الهند وبلاد فارس من الشرق إلى الغرب عبر الطرق البحرية ثم طريق القوافل الشمالي الذي يعبر من شرق إلى غرب شبه الجزيرة العربية وصولاً إلى بلاد الشام ومنها إلى الجنوب حيث مصر وكذلك كانت تجارة أفريقيا تدخل إلى الجزيرة العربية من الجنوب وتصل شمالاً إلى سوريا وبلاد النهرين. هذا التفاعل الحضاري والنشاط التجاري بين حضارات العالم القديم كان من الأسباب القوية التي تسببت في نهضة ورقيّ حضارات الجزيرة العربية القديمة. وكما كانت سبب تقدمها وثرائها كانت بالمثل من أسباب انهيارها وضعفها وقيام ممالك وحضارات متعاقبة، وذلك عندما كان الوهن يضرب، لسبب أو لآخر، النشاط التجاري عبر الجزيرة العربية وتتوقف أو تضعف أعداد القوافل وحركة التجارة.
وبعد ظهور الإسلام أصبحت كل من مكة والمدينة المنورة مركزاً لوصول ليس فقط قوافل التجارة من الشمال والجنوب والشرق والغرب بل قوافل الحج من كل مكان في العالم، وبالتالي ظهر نوع جديد من طرق القوافل يسمى «طرق الحج والتجارة»، ومن الأقاليم التي تنطلق منها صوب مكة والمدينة المنورة تسمى أيضاً «طريق الحجاز».
هذه الطرق كانت إلى وقت قريب تمثل شرايين حيوية لربط البلدان المجاورة والبعيدة بكلٍّ من مكة والمدينة وعلى امتدادها كانت تقوم مدن وقرى تمثل محطات لتقديم كل الخدمات اللوجيستية سواء لقوافل الحج أو التجارة. وعبر التاريخ كان الخلفاء والملوك والأمراء بل الأعيان كذلك يقومون على تمهيد وتعبيد وتجهيز تلك الطرق وإنفاق ما يلزم عليها لكي تظل جاذبة للقوافل وآمنة للناس وأموالهم. ويعد الطريق المعروف بـ«درب زبيدة» من الأمثلة الجيدة على تلك الطرق، حيث كان هو طريق الحج والقوافل الذي يربط بين الكوفة في العراق ومكة المكرمة ماراً بالكثير من المدن المهمة في الأراضي السعودية والعراق. يصل طول هذا الطريق إلى نحو 1400 كم، وبذلك فهو واحد من أطول طرق الحج التي كان لها تأثير ثقافي وتجاري وروحي مميز، وهذا هو ما شجع هيئة التراث بالمملكة العربية السعودية بتوجيه من سمو وزير الثقافة على تبني مبادرة لتأهيل الدرب والاهتمام به وترميمه والمحافظة عليه، وتسجيله في قائمة التراث العالمي بمنظمة اليونيسكو كملف مشترك مع جمهورية العراق.

شهد «درب زبيدة» الكثير من المراحل التاريخية المختلفة لكنه وصل إلى أوج أهميته خلال العصر العباسي. ولعل من المهم أن نعرف أن زبيدة هي زبيدة بنت جعفر زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد، والتي أوقفت على هذا الطريق الكثير من الأوقاف الخيرية لخدمة الحجيج وكذلك كل المسافرين على هذا الطريق ودوابهم أيضاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طرق لها تاريخ طرق لها تاريخ



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib