المشرق تجاهل السياسة ونشوة الاستقواء

المشرق: تجاهل السياسة ونشوة الاستقواء

المغرب اليوم -

المشرق تجاهل السياسة ونشوة الاستقواء

سام منسى
بقلم - سام منسى

يبدو أن النزاعات في المشرق لم تقترب من نهايتها كما خُيل للكثيرين بعد حربي غزة ولبنان، وأطاحت آثارهما بحكم آل الأسد بسوريا بلمحة بصر بعد 54 عاماً من الاستبداد.

الأحداث في سوريا، من التمرد العسكري لفلول النظام، مروراً بزرع بذور الفتنة بين دروز سوريا والنظام الجديد إلى مسألة الأكراد، تبقى الأشد خطورة، لا سيما أنها واقعة تحت سطوة لاعبين كثر أبرزهم الإيراني والتركي والإسرائيلي ولو بنسب متفاوتة؛ ما يتيح لهؤلاء لعب أدوار تصب في مصالحهم.

إسرائيل موجودة في المشهد السوري منذ الساعات الأولى لسقوط بشار الأسد بمواقف وممارسات ملتبسة وخبيثة. وبعد تراجعها عن التمسك بالنظام البائد وسيده إثر السطوة الإيرانية عليه، عاد حنينها إليه بعد سقوطه، وتمادت في دورها المزعزع بقصف منشآت الجيش السوري وبناه التحتية وأسلحته، والتوغل في الأراضي السورية، وتحريض الطائفة الدرزية في الجنوب على السلطة الجديدة بحجة حمايتها وبقية الأقليات، في تكرار لسلوك كثيراً ما لجأت إليه بهدف تخريب الاستقرار وتفكيك الدول من حولها إلى كيانات طائفية.

أما طهران، فتحاول استعادة ما أمكن من نفوذها بسوريا ولو على حساب وحدتها، وقد تسعى لعودة الأسد إلى الساحل إذا نجح التمرد لتعود طريقها إلى لبنان سالكة لتزويد «حزب الله» بالمال والسلاح.

إن أهداف إسرائيل تتقاطع مع إيران في سوريا في محاولتهما تقطيع أوصالها والتخريب على السلطة الجديدة، فيما تحاربها في لبنان، وقد يؤدي هذا التخبط لاحقاً إلى عكس ما سعت وتسعى إليه من تقويض للوجود الإيراني على حدودها.

بدوره، يشهد لبنان خفوتاً لنشوة انتخاب رئيس الجمهورية جوزيف عون وتشكيل حكومة نواف سلام، بوصفهما سيفتحان صفحة جديدة تبدأ باستعادة الدولة من الدويلة، ومباشرة الإصلاح والنهوض. صحوة «حزب الله» بعد صدمة الهزيمة العسكرية في الحرب الأخيرة بددت هذه الصورة، بسبب تأكيده المتكرر على النصر واستمرار المقاومة المسلحة والاحتفاظ بالسلاح، متنصلاً من مضمون اتفاق وقف النار الأخير بشأن السلاح شمال الليطاني، ومتذرعاً بتفسير متقدم لما ورد باتفاق الطائف بشأن حل الميليشيات بأنه لا يشمله بوصفه مقاومة وليس ميليشيا. وجاءت حبة الكرز فيما أعلنه أمين عام الحزب نعيم قاسم أن «لا إنقاذ وإصلاح قبل إعادة الإعمار... وأن المقاومة مستمرة في الميدان»، وكلام لرئيس مجلس النواب نبيه بري حول استمرار المقاومة، والاتفاق لا يشمل السلاح شمال الليطاني في ملاقاة لكلام رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني بأن «المقاومة باقية لأن غالبية الشعب اللبناني تؤيدها». يضاف إلى ذلك ما يتردد عن عودة «حزب الله» للتدخل في سوريا بإرسال مقاتلين لدعم التمرد، وعودة احتلال إسرائيل لنقاط عدة في الجنوب، ومواصلة عملياتها العسكرية في لبنان على أنواعها مقدمة نفحة أكسجين للحزب.

لا يحتمل لبنان مثل هذه الصحوة؛ لأنها تعيده للمربع الأول، وتقطع طريق عودته للعرب، وعودتهم إليه بناسهم ومساعداتهم واستثماراتهم، وتؤدي لاستمرار التخبط للخروج من حالة الإحباط المزمنة جراء الأزمات المالية والاقتصادية والأمنية.

أما غزة فلا تزال ملعباً لمناورات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسية الداخلية والخارجية، فاتحاً مصيرها على احتمالات عدة، أحلاهم مُر: من نجاح مشروع التهجير، إلى إمكانية تجدد الحرب دون أفق سياسي باستثناء دفع السكان للمغادرة أو البقاء تحت شبح المجاعة وويلات تجدُّد القتال. كل ذلك في ظل محادثات أميركية مباشرة مع «حماس» تبعث الريبة، لا بل الغضب عند نتنياهو وزمرته المتشددة.

عرقلة الحلول في سوريا ولبنان وغزة هي نتيجة انعدام السياسة بحكمتها وعقلانيتها وغلبة العسكرة بجموحها وجنونها، ليس في المنطقة فحسب، بل ربما في العالم أجمع. أكبر دليل على ذلك هو أن الجبروت العسكري الإسرائيلي لم يؤتِ ثماره: ما زالت النار في غزة تحت الرماد، «حزب الله» في لبنان يعلن النصر واستمرار المقاومة والتمسك بما بقي من سلاحه وبدوره في الحياة السياسية اللبنانية وقدراته على التعطيل، عمى إسرائيل قد يعيد إيران إلى سوريا بعد استماتتها لإخراجها منها. المحصلة، أن العمل العسكري الإسرائيلي في غزة ولبنان وسوريا من دون رؤية سياسية لم ولن يؤدي إلا لاستيلاد حروب جديدة.

علة العلل هي انعدام السياسة وخواؤها في أميركا نفسها التي تسمح لنتنياهو بالاستيلاء على كل فلسطين بالقوة، تحت غطاء تهجير إنمائي سياحي، وتغازل فلاديمير بوتين وتسامحه على ضم القرم وأجزاء من أوكرانيا، وتتبنى سرديته للحرب، كيف لا وهي نفسها حامية العالم الحر والديمقراطية والقيم تريد السطو على غرينلاند، وضم كندا، والسيطرة على بنما، وتعاقب المحكمة الجنائية الدولية، وتناصب العداء لحلفائها الأوروبيين التقليديين. مواقف تقدم رخصاً مجانية للعدوان والاستبداد، وتصمت مجدداً على ممارسات أنظمة على غرار نظام الأسد الذي سحق الأغلبية والأقلية في بلاده وجوارها لأكثر من 50 سنة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المشرق تجاهل السياسة ونشوة الاستقواء المشرق تجاهل السياسة ونشوة الاستقواء



GMT 23:14 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ذاكرة الرجل الصامت

GMT 23:12 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إسرائيل... لماذا تفوَّقت في لبنان وليس في اليمن؟

GMT 23:10 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

مشهد الشرق الجديد... من يرسمه؟

GMT 23:07 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سبب آخر للاستقالة

GMT 23:05 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

البديل الحوثي للبنان...

GMT 23:04 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

التجويع بهدف التركيع

GMT 23:02 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس؟

GMT 23:00 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ماذا لو رد «الجميل» السلام؟!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح

GMT 12:05 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ميسي يعلن أنه لن يلعب لأي فريق أخر في أوروبا

GMT 13:40 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

الرجاء يخوض منافسات كأس الكاف بقميص جديد

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الوردي والذهبي مع الباستيل آخر صيحات موضة 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib