المشرق السيادة والرهانات على الدولة الوطنية

المشرق... السيادة والرهانات على الدولة الوطنية

المغرب اليوم -

المشرق السيادة والرهانات على الدولة الوطنية

سام منسى
بقلم - سام منسى

يبدو لبنان، كما جواره المشرقي، واقعاً في قلب تحولات تطبعها ضغوط متزايدة عنوانها «اليوم التالي» لانحسار محور الممانعة وتفكك وحدة الساحات. وهي وحدة كانت تُقدَّم سابقاً كإطار استراتيجي عابر للحدود، لكنها باتت اليوم عبئاً على السيادات الوطنية بعدما تأكَّلت قدرتها على التماسك في وجه الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتراجعت فعاليتها في سياق الصراعات المستجدة في الإقليم.

وفي هذا الإطار، يصبح من الصعب فهم المسار المتعثر لاستعادة الدولة اللبنانية سيادتها وشرعيتها الدستورية ما لم نضعه ضمن معادلة دقيقة: الدولة لا يمكن أن تكون شريكاً في السلاح أو العنف، بل هي صاحبة الحق الحصري في استخدام القوة المشروعة لحماية المواطنين وحفظ النظام العام، كما نصّت عليه الدساتير والمواثيق الدولية.

ما أعقب هجمات «طوفان الأقصى»، فتح نافذةً نادرة وربما تاريخية، للتفكير بجدّية في إنهاء حالة الازدواجية بين الدولة والحركات ما دون الدولة، وهي ازدواجية تحوّلت مع الوقت إلى تعطيل الدولة وتفتيت مؤسساتها، خصوصاً عندما تكون هذه الحركات مذهبية.

ورغم ما يُقال عن بداية تعافي لبنان، ما زال هذا المسار هشاً وتعتريه عقبات حقيقية، يتجلى أبرزها في استمرار «حزب الله» في فرض تفسيره الخاص للقرار الأممي 1701؛ ما يُفرغه من مضمونه السيادي؛ إذ يُحدّد مجال تطبيقه جغرافياً بجنوب الليطاني، في حين يواصل الحزب الإمساك بقراره العسكري بمعزل عن الدولة. صحيح أنه سلّم جزءاً من مراكزه وعتاده في الجنوب، لكن التسليم الجزئي لا يرقى إلى مستوى إعادة الاعتبار لسيادة الدولة، ولا يقنع الأطراف الدولية المفترض أن تساهم في الإعمار، وفي طليعتها صندوق النقد والدول الراعية لنهضة لبنان.

سلاح «حزب الله» يبقى أصعب عقدة على الرغم من شبه إجماع سياسي رسمي وحزبي وشعبي على ضرورة تسليمه وانخراط الحزب في الحياة السياسية. وتبرز هنا إشكالية أدق وأشمل من السلاح، هي المقاومة المسلحة شكلاً ومضموناً وموقف الدولة الرسمي منها. من دون موقف رسمي من نهاية دور لبنان في المقاومة المسلحة من حدوده، والالتزام الكامل بالاتفاقات الموقعة وتطويرها إلى هدنة دائمة على غرار هدنة 1949. بانتظار ما ستؤول إليه التطورات العربية، يبقى لبنان معلقاً في الهواء ينتقل من منطقة رمادية إلى أخرى، ويتلطى خلف صياغات جلها حمّال أوجه.

وعليه، تكمن المهمة الأساسية للعهد الجديد في إعادة الاعتبار لـ«اتفاق الطائف»، لا بوصفه وثيقة دستورية فحسب، بل كعقد وطني يحفظ التوازنات، ويمنع الانزلاق إلى صراعات الصلاحيات وتجاوز المؤسسات. وهذا يقتضي تفاهماً حقيقياً بين رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، لتكريس ثقافة الشراكة داخل الدولة، وقطع الطريق على أوهام استعادة ما قبل «الطائف»، أو اجترار أخطاء العهود السابقة.

أما على الساحة السورية، فلابدَّ من بناء خطاب وطني جامع. كما أن العدالة الانتقالية، بوصفها مدخلاً رئيساً لتضميد جراح الحرب وإعادة بناء الثقة، لم تبدأ بعد. إن الرعاية القائمة اليوم قد تفتح أمام النظام نافذة جديدة، لكنها تظل مشروطة بقدرته على إظهار تحول حقيقي في بنيته ورؤيته؛ ذلك أن الشرعية العربية التي يُفترض أن يحصل عليها لا تُمنح مجاناً، بل يجب أن تُبنى من جهة على أساس قطيعة واضحة مع مشاريع مستوردة، والحصانة من عودة المشاريع الساعية إلى تجديد نفوذها الإقليمي. ومن الجهة الأخرى، التحوّل إلى قيادة وطنية جامعة تحتضن التنوع السوري.

وفي الأردن، كُشفت خطط تم إحباطها في اللحظات الأخيرة كانت تستهدف المساس باستقرار الدولة تحت ذريعة دعم فصائل المقاومة في غزة، وفتح جبهة في الضفة الغربية. محاولات، وإن أُفشلت، فهي تُظهر حجم المخاطر التي قد تنجم عن التوظيف الدائم لفلسطين كأداة لاختراق الأمن الإقليمي والوطني، وتقديم ذرائع مجانية لإسرائيل لتبرير ممارساتها الوحشية.

في المحصلة، يواجه المشرق استحقاقاً مفصلياً: إما الخروج من زمن المحاور المتأكِّلة والدخول في زمن السيادة الوطنية والمؤسسات، وإما الاستمرار بالدوران في فلك أزمات تستنزف الأوطان، وتُغذي خطاباً راديكالياً فقد مبررات البقاء. الضغط الإقليمي والدولي الحالي قد يفتح نافذة لتحجيم دور الميليشيات، لكنه غير كافٍ وحده. الأمر يتطلب مشروعاً وطنياً يضع السيادة أولاً. والتاريخ علمنا أن الميليشيات لا تتخلى عن سلاحها إلا إذا تحققت معادلة قاهرة: ضعف داخلي، وضغط خارجي، وبديل وطني قوي؛ لأن الخطر الحقيقي لا يكمن في وجود الميليشيات فقط، بل في ضعف البيئة السياسية والديمقراطية الذي يسمح بتحول أي تيار إلى قوة مهيمنة أو متطرفة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المشرق السيادة والرهانات على الدولة الوطنية المشرق السيادة والرهانات على الدولة الوطنية



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib