جولة ترمب الخليجية والبؤر المشتعلة

جولة ترمب الخليجية والبؤر المشتعلة

المغرب اليوم -

جولة ترمب الخليجية والبؤر المشتعلة

سام منسى
بقلم - سام منسى

بعد النجاح الكبير الذي حققته جولة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السعودية والإمارات وقطر، سيكون من الخطأ تجاهل الفرص الاستثنائية التي تتيحها الخريطة الاستراتيجية الجديدة، التي كانت تبدو حتى وقت قريب خيالية. إن الإفادة من الفرص المتاحة راهناً ليست مسؤولية أميركية فحسب، بل عربية أيضاً، ينبغي لكل فريق استثمارها بما أوتي من تأثير ونفوذ لتشكيل رافعة تقضي على جميع البؤر التي ما زالت إما متفجرة أو كامنة أو مهيأَة للاشتعال، والتي قد تعترض اكتمال النجاح الذي تحقق.

لا ينبغي الاستهانة بالتحديات والمخاطر المستمرة في الشرق الأوسط، من الحكومات الضعيفة وغير الفعالة، والانقسامات الدينية والعرقية والسياسية العميقة، إلى جانب تداعيات الحرب المدمرة في غزة والأوضاع في لبنان وهشاشة سوريا. كلها عوامل تواصل التآمر ضد أي تقدم نحو السلام والاستقرار.

الرافعة الأميركية - العربية أمامها هذه البؤر الثلاث المطلوب إغلاقها، ولعل بؤرة غزة هي الأصعب على الرغم من تهاوي «حماس» وفقدانها الدعم وحتى التعاطف الدولي والعربي. فالعقدة أضحت في إسرائيل بدءاً من شخصية بنيامين نتنياهو ومشاكله الخاصة، إلى حكومته المتشددة التي تعكس اتساع نفوذ وشعبية اليمين الديني المتطرف معززاً بالبارانويا التي خلفتها عملية طوفان الأقصى. وقف حرب غزة يحتاج لجهد أميركي استثنائي يترافق مع ضغوط عربية على واشنطن ومحفزات أميركية - عربية لنتنياهو للقبول ببدء مسار مفاوضات التسوية النهائية والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والالتزام بإطلاق مسار الدولة الفلسطينية. وضع كهذا يفتح الطريق لاستقرار جزئي في القطاع والضفة وإصلاح السلطة الفلسطينية ولدور عربي وخليجي في إعادة الإعمار. كما أن تسوية معقولة لملف إيران النووي قد تهدئ من عصبية نتنياهو لجهة المخاطر الإيرانية التي تخشاها إسرائيل.

اليوم، طهران أضعف من أي وقت مضى بسبب تراجع قدرات وكلائها كـ«حزب الله» و«حماس»، وضعف دفاعاتها، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بها. لذلك، قد تكون مستعدة لعقد صفقة نووية جديدة بشروط أفضل للولايات المتحدة، تشمل قيوداً دائمة على التخصيب والصواريخ الباليستية والأنشطة الإقليمية. ترمب في موقع يسمح له بإبرام اتفاق مع إيران مستفيداً من نفوذه في الكونغرس وتهديده الجدي باستخدام القوة.

البؤرة السورية جرت محاولة احتوائها نتيجة الرغبة السعودية والاستجابة الأميركية برفع العقوبات. احتواء سوريا أكبر من قضية العقوبات، لأن الخطوة تهدف إلى ضمها لمجموعة الاعتدال العربي بعد أن كانت رأس الحربة في حلف الممانعة وواجهة لنفوذ إيران، وممراً للأسلحة والمخدرات وداعمة للإرهاب. ويُنظر إلى تولّي الرئيس الجديد، أحمد الشرع، على أنه فرصة لبناء «سوريا جديدة»، رغم أن نجاح هذه المرحلة يعتمد على الالتزام بالإصلاح، وعلى دعم عربي - أميركي مشترك، لأنَّ السياسة الأميركية لن تكون العامل الحاسم الوحيد في نجاح أو فشل هذه المرحلة، يبرز الدور العربي بوصفه عاملاً رئيساً، إضافة إلى واشنطن، في القدرة على التأثير عبر إجراءات تشمل بقاء القوات الأميركية، رفع العقوبات، ومساعدات خليجية منسقة. كما قد تلعب واشنطن دوراً في التوسط بين النظام الجديد والأكراد وتركيا. المطلوب من الحكم الجديد واضح: مكافحة الإرهاب، ضبط العلاقة مع إسرائيل، معالجة الوجود الروسي، قطع نهائي مع الممانعة.

أما لبنان، فهو يشكل الحلقة الأكثر تعقيداً بسبب الانقسامات الطائفية وتجذّر «حزب الله» في مؤسسات الدولة واحتكاره تمثيل الشيعة وسلاحه المنظم. تبدأ معالجة معضلة «حزب الله» بترسيخ قناعة لدى الحكم الجديد بعدم وجود خطر حرب أهلية، وبكسر ارتباط الطائفة بالحزب. هذه مهمة أميركية وعربية بقدر أهمية المواقف الداعية إلى نزع السلاح، بل إنها السبيل الممهد له. المطلوب أيضاً دور أميركي - عربي يتمثل في الضغط على السلطة الجديدة لتحديد موقع لبنان بوضوح ضمن محور الاعتدال العربي، خصوصاً بشأن السلام والتسوية، له ما لهم وعليه ما عليهم. نزع سلاح الحزب يجب أن ينطلق من إعلان سياسي رسمي واضح لدور لبنان الإقليمي، تتبعه خطة زمنية تشمل سلاح الحزب والفصائل الفلسطينية وتحديد جدول زمني لضمان جدية الدولة قبل الانتخابات، التي قد تعيد هيمنة الحزب إن فشلت الحكومة في بسط سلطتها.

إنَّ الأطراف الإقليمية والدولية المتضررة مما تحقق إبان جولة ترمب كثيرة، والعيون المتربصة لم تنس إخفاقات السياسة الأميركية في المنطقة على مدى العقود الثلاثة الماضية. كل محاولات الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار أو السلام في الشرق الأوسط انتهت غالباً بالفشل، من فشل بيل كلينتون بتحقيق التسوية، إلى فشل مشروع جورج بوش الابن في العراق، ثم خيبة الأمل بباراك أوباما بعد الربيع العربي، لا سيما موقفه من إيران، وصولاً إلى تصعيد التوترات معها في عهد ترمب، وأخيراً انفجار طوفان الأقصى وحرب غزة ولبنان خلال ولاية جو بايدن.

اليوم نحن أمام تغييرات جيوسياسية وجيواقتصادية تتيح فرصاً نادرة لتحقيق اختراقات في غزة وسوريا ولبنان، إذا أحسن استغلالها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جولة ترمب الخليجية والبؤر المشتعلة جولة ترمب الخليجية والبؤر المشتعلة



GMT 14:00 2025 الثلاثاء ,03 حزيران / يونيو

إيقاع الفرج

GMT 13:59 2025 الثلاثاء ,03 حزيران / يونيو

البلديات على جمر الانتظار

GMT 13:56 2025 الثلاثاء ,03 حزيران / يونيو

ثلج الإسكندرية وكويكب الجزائر ولهَب حائل!

GMT 13:55 2025 الثلاثاء ,03 حزيران / يونيو

غزة ونهاية «تفويت الفرص»

GMT 13:53 2025 الثلاثاء ,03 حزيران / يونيو

هل تتقدّم الضربة على الاتفاق النووي؟

GMT 13:52 2025 الثلاثاء ,03 حزيران / يونيو

أزمة ليبيا أمام شقيقاتها الثلاث

GMT 13:50 2025 الثلاثاء ,03 حزيران / يونيو

«اللطافة والخفافة مذهبي»!!

GMT 13:49 2025 الثلاثاء ,03 حزيران / يونيو

الذكاء القادم

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 21:54 2023 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الألومنيوم لأعلى مستوياته منذ 7 أشهر

GMT 18:45 2020 الأربعاء ,02 أيلول / سبتمبر

وفاة الفنان المغربي المقتدر "عبد الجبار لوزير"

GMT 06:28 2020 الأربعاء ,29 كانون الثاني / يناير

الهلال السوداني ينتفض ضد الحكم المغربي جيد

GMT 13:24 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

حسنية أغادير يواجه لعنة الإصابات بصفقة جديدة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib