«هدنة 1949» لتحرير لبنان من حروب الآخرين

«هدنة 1949» لتحرير لبنان من حروب الآخرين

المغرب اليوم -

«هدنة 1949» لتحرير لبنان من حروب الآخرين

سام منسى
بقلم - سام منسى

لم يفاجأ أحد بعدم اكتمال انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بموجب اتفاق وقف إطلاق النار و«ملحقِه» الأميركي - الإسرائيلي، الذي أنهى العمليات القتالية بين «حزب الله» وإسرائيل، مع احتفاظها بخمس تَلّات داخل الحدود اللبنانية، وواصلت خروقاتها بالطائرات المسيّرة والقصف والاغتيالات، بحجة استمرار وجود «حزب الله» جنوب الليطاني. عادت الأمور إلى مربعها الأول رغم ما أصاب «الحزب» وبنيته إبان حرب الأشهر الماضية: استثمار «الحزب» في تحرير المناطق المحتلة، ولجوء الحكومة اللبنانية إلى مجلس الأمن، في مشهد يحاكي المرحلة ما بين سنتَي 1982 تاريخ الاجتياح الإسرائيلي، ومايو (أيار) 2000 عام التحرير، الذي حصد «الحزب» نتائجه وبنى عليها كل ما حققه من مكاسب حتى الهزيمة سنة 2024.

يواجه لبنان هذا الواقع بعد نشوة وصول العماد جوزيف عون إلى رئاسة الجمهورية، ونواف سلام إلى رئاسة الحكومة، وبيان وزاري غير مسبوق منذ أكثر من 40 سنة بمضمونه السيادي المستقل والواضح. النشوة تبددها أوضاع إقليمية ضبابية متبدلة باستمرار، وداخلية متأثرة بأحوال الإقليم وبالشقوق التاريخية بين الأطراف اللبنانية، ومكابرة غير مبررة من «حزب الله» بتحويل هزيمته العسكرية على أيدي إسرائيل إلى مردود سياسي في الداخل، وربما أمني لاحقاً، ناهيك بتوطيد ولائه لإيران.

تعيش المنطقة أيضاً على وقع ما ستؤول إليه العلاقات الإسرائيلية - الإيرانية، وما إذا كان تهديد إسرائيل وتعنت إيران سيقودان إلى حرب بينهما، مرتبطة إلى حد كبير بعامل رئيس، هو مستقبل العلاقة الأميركية - الإيرانية ومساراتها بين مفاوضات مرتقبة وكلام ملتبس ومتناقض، وبين مسار عسكري قد تنخرط فيه واشنطن.

تنتظر المنطقة كذلك نهاية حرب غزة وما سترسو عليه، بين تهجير قسري وطوعي؛ أميركي أو إسرائيلي، وحرب متجددة تسعى الدول العربية الفاعلة والمؤثرة إلى احتوائها ولملمة ما تبقى من حقوق فلسطينية ومخارج مؤدية لتسوية الدولتين، إضافة إلى تأثير مسارات التطبيع العربية - الإسرائيلية على مستقبل غزة. وسط هذه الأجواء، كيف للحكومة اللبنانية أن تتصرف لإخراج إسرائيل من المناطق التي تحتفظ بها، وضمان استمرار وقف النار، مع عدم ترجيح عودة الحرب، بل استمرار عمليات إسرائيل على مواقع في لبنان وملاحقة «الحزب» في الجنوب وخارجه، إضافة إلى احتمال ردود شكلية من «الحزب» على إسرائيل؟ في سياق هذا الوضع، لا بد من الإشارة إلى عدم احتمال لجوء الحكومة إلى الإفادة من الصدمة الإيجابية لدى اللبنانيين لمواجهة «حزب الله» سياسياً أو أمنياً، أو أقله محاولة تطويقه سياسياً عبر فك ارتباطه بالطائفة الشيعية، مما من شأنه المساعدة في حلحلة كثير من العقد الناتجة عن احتكاره تمثيل الطائفة ولو بغطاء من «حركة أمل» ورئيس مجلس النواب نبيه بري. يضاف إلى ذلك عدم القدرة على موازنة عامل السرعة بين إنجازات الجيش ومطالب إسرائيل وأميركا لتطبيق اتفاق وقف النار بكل مندرجاته.

كل ما سبق يجعلنا ندور في الحلقة المغلقة القديمة - المتجددة، والأمل - المخرج الوحيد لكسرها هو التطبيق العملي لتثبيت الاتفاق الأخير لوقف النار عبر محاولة إعادة إحياء «اتفاقية الهدنة لسنة 1949» التي حالت دون وقوع عمليات مسلحة خطيرة بين لبنان وإسرائيل حتى حرب 1967 وما نتج عنها من احتلال أراضي 3 دول عربية، وما تلتها من موافقة لبنان على «اتفاقية القاهرة» سنة 1969، وسقوط الجنوب تحت سيطرة المنظمات الفلسطينية، وبعدها «حزب الله»... وباقي القصة معروف.

«اتفاقية الهدنة» تكمّل ما جرى الاتفاق عليه في وقف إطلاق النار الأخير يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وتجعل من وقف العمليات العسكرية من الأراضي التي يسيطر عليها أحد الطرفين، المنصوص عليها في الاتفاق الذي وافق عليه «الحزب»، دائماً، وليس وقفاً للنار فحسب.

من دون شك، هناك عوائق كبيرة أمام هذه الهدنة الدائمة، تبدأ من ترسيم الحدود البرية المختلَف عليها، ولا تنتهي بشكوك إسرائيل في قدرة الدولة على منع «الحزب» من إعادة بناء قوته العسكرية. في المقابل، الحكومة اللبنانية مترددة بفعل ضغوط «الحزب» الرافض، على الأرجح، هذه الهدنة الدائمة؛ لأنها تنفي «حقه» في الاحتفاظ بسلاحه، والحق الذي منحه لنفسه في المقاومة المسلحة. الواضح أن حجة «الحزب» أضحت ضعيفة بفعل موافقته على الاتفاق الأخير، وتهاوي قيمة سلاحه ودوره في مواجهة إسرائيل أو حتى الدفاع عن لبنان وبيئته و«الحزب» نفسه بعد حصاد الحرب الأخيرة.

الانتقال من «اتفاق 27 نوفمبر 2024» غير المكتمل إلى إعادة إحياء «هدنة 1949» محدّثة، مهمة شاقة؛ إنما غير مستحيلة إذا تمكنت هذه الحكومة من تجييش موجة داخلية مؤيدة تحاصر «الحزب»، وليس الطائفة الشيعية، للقبول بالهدنة المستدامة، وضغوط عربية خصوصاً، ودولية أميركية وأوروبية عموماً، على إسرائيل و«حزب الله» للموافقة على بدء مفاوضات بهذا الاتجاه. من دون ذلك، تبقى المساعدات العربية والدولية مجرد سراب نسعى وراءه، وإعادة تدوير كل المتغيرات اللبنانية والإقليمية لمصلحة المراوحة وتجديد مرحلة اللااستقرار المزمنة. السلام الشامل غير واقعي في هذه المرحلة، والحرب هزيمة محتمة. في انتظار القطار العربي كيف سيتوجه، تبقى «هدنة 1949» هي الحل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«هدنة 1949» لتحرير لبنان من حروب الآخرين «هدنة 1949» لتحرير لبنان من حروب الآخرين



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib