الإغواء المتبادل بين ترمب وبوتين

الإغواء المتبادل بين ترمب وبوتين

المغرب اليوم -

الإغواء المتبادل بين ترمب وبوتين

سام منسي
بقلم - سام منسي

المكالمة الهاتفية بين الرئيسَين الأميركي والروسي، دونالد ترمب وفلاديمير بوتين، بشأن أوكرانيا اكتسبت أهميةً جدليةً واسعةً بين الترحيب والرفض والاستنكار بفعل شخصية ترمب، وما جسَّدته من تحولات خطيرة وغير مسبوقة في السياسات الأميركية تعيد تعريف موازين القوى الإقليمية والدولية معاً. سياسات تتميز بقطيعة واضحة مع التقاليد الأميركية التي لطالما زعمت أنها ترتبط بالدفاع عن القيم الليبرالية العالمية، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، لصالح نهج قائم على المصالح الاقتصادية المباشرة، حتى وإن كان ذلك على حساب استقرار النظام الدولي.

على الرغم من أن هذه المكاملة تسعى إلى وقف الحرب الأوكرانية، وهو مطلب لا خلاف بشأنه، فإن مضمونها الذي وصل إلى الإعلام يُشكِّل مصدر قلق لمنطقة الشرق الأوسط في هذه المرحلة التي تختلط فيها نتائج ما رست عليه الحرب في غزة ولبنان، والحدث السوري الشديد الأهمية، مع ما بدأ يحضّر لمواصلة المرحلة الثانية منها لاستكمال النتائج، واستهداف إيران، حسبما يرشح من تهديدات ترمب وتصلب مواقف طهران في أكثر من مكان وفي تصريحات قادتها.

مصدر القلق بالمنطقة، خصوصاً لدى الفلسطينيين، أن مكالمة ترمب وبوتين ساوت بين المعتدي والمعتدى عليه في أوكرانيا، ما يحاكي موقف ترمب من غزة، ناقلاً الضوء البرتقالي الذي أعطته إدارة جو بايدن لبنيامين نتنياهو للقضاء على «حماس» وطوقته بالوقت نفسه بضرورة السير بحل الدولتين سبيلاً وحيداً للسلام، إلى ضوء أخضر فاقع نسف هذا الحل من أساسه ليصل إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع برؤية صفقاتية مقيتة اسمها سلام «الريفييرا». تجددت الحرب الشعواء على غزة وطالت سوريا وربما لبنان في إطار انتهاج سياسة تفكيك الاجتماع لصالح تحالف الأقليات وغير ذلك من المشاريع الانتحارية. الموقف الأميركي غير المسبوق تجاه أوكرانيا تعدّه قوى أميركية رئيسة خيانةً للقيم التي وسمت السياسة الأميركية منذ انتهاء الحربَين العالميَّتين، وهي الدفاع عن الحرية ضد الطغيان.

يصعب فهم موقف ترمب من بوتين بشأن أوكرانيا وتوقيته، والذي يعدّ بمثابة هدية لروسيا دون مبرر سياسي ولا حتى تفاوضي لإنهاء الحرب، لا سيما أن روسيا ورغم سيطرتها على مناطق واسعة من أوكرانيا، تعدّ بكل المعايير أنها خسرت الحرب أمام دولة صغرى كبَّدتها مئات آلاف من الضحايا وآلاف الدبابات والآليات العسكرية حتى عدّها كثيرون قوةً إقليميةً كبرى. لماذا يريد ترمب دخول مفاوضات رامياً كل الأوراق الرابحة؟ ما الهدف من إبعاد الحلفاء الأوروبيين عن المفاوضات مع بوتين، الذين قدَّموا مجتمعين مليارات الدولارات والمعدات الحربية والدعم للاجئين الأوكرانيين، أكثر مما قدَّمته أميركا رغم ما يعلنه ترمب، وما زالوا على تصميمهم الدفاع عن أوكرانيا؟ لماذا عدم الإفادة من الاندفاعة الأوروبية لتدعيم قوة بلاده؟

التقارب بين ترمب وفلاديمير بوتين قد يفتح المجال أمام تفاهمات ضمنية بين موسكو وواشنطن حول إعادة توزيع النفوذ في مناطق التوتر، لا سيما في الشرق الأوسط، تظهرها رسالة بوتين للرئيس السوري. روسيا، التي لطالما صعّدت خطابها ضد التمدد الأطلسي، وجدت في ابتعاد واشنطن عن الغرب فرصةً تاريخيةً لإعادة فرض نفوذها التقليدي في مناطق مثل أوكرانيا بعد أن قضمت القرم، بحجة أن أميركا نفسها لا تحترم سيادة الدول، كما ظهر من خلال رغبة ترمب في ضم كندا أو السعي للسيطرة على غرينلاند وقناة بنما.

يصعب توقع سياسات ترمب، ولا يمكن وصفه والمجموعة المحيطة به بالعقائديين، بل هم أقرب لحركة شعبوية غير متدينة رغم ادعائهم التدين. لديهم مروحة من آراء وأفكار في الاقتصاد والأعمال والأخلاق والاجتماع يترجمونها مواقف سياسية. من أخطر ما يقوم به ترمب اليوم هو ضرب جوهر «العقيدة الأميركية التقليدية» التي تقوم على مزيج من الدفاع عن الديمقراطية الليبرالية، والالتزام بتحالفات استراتيجية مثل «الناتو»، ودعم النظام الدولي القائم على القواعد والمؤسسات، واحترام السيادة الوطنية للدول الأخرى بتحويله الأولوية إلى الصفقات قصيرة الأمد والمصالح التجارية البحتة. يفرّغ ترمب هذه العقيدة من مضمونها، ولا يفتح فقط المجال أمام القوى الاستبدادية لإعادة رسم حدود النفوذ بالعالم، بل ينذر بتمدد حالة «التوحش» إلى الداخل الأميركي نفسه، حيث تنمو الاستقطابات على أنقاض الديمقراطية التي لطالما وحَّدت الأميركيين في لحظات الخطر.

ملامح ما سوف يحصل في أوكرانيا مؤشرات لمستقبل الخريطة السياسية والأمنية لمنطقتنا التي باتت متروكة بعد اقتراب الموقف الروسي، حليف إيران الاستراتيجي والحليف التقليدي للعرب، من الأميركي بشأن «ألا تكون إيران في وضع يسمح لها بتدمير إسرائيل». ما يجعل السؤال مشروعاً عن الموقف الروسي من فلسطين وحقوق الفلسطينيين وممارسات إسرائيل المريبة والمخربة في لبنان وسوريا.

مهما بلغ التطابق الأميركي – الإسرائيلي، والتفاهمات الأميركية - الروسية حول الشرق الأوسط، ينبغي أن تبقى الخطوط الحمر العربية صامدة: «لا تهجير من غزة»، و«حل الدولتين سبيل السلام الدائم والشامل»، ومن دونه سيبقى سلام بوتين وترمب الذي وصفاه بأنه يستجلب استثمارات كبيرة، بعيد المنال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإغواء المتبادل بين ترمب وبوتين الإغواء المتبادل بين ترمب وبوتين



GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 21:04 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 21:03 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«تامر يَجُرّ شَكَل عمرو!»

GMT 21:01 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

رياح يوليو 1952

GMT 20:59 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

لا يجوز في الساحل ولا يليق

GMT 20:58 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

الوزير الخائن دمر الفسطاط (1)

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حرب المساعدات

GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 19:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib