تحالف الحسم يعيد رسم معادلات الإقليم

تحالف الحسم يعيد رسم معادلات الإقليم

المغرب اليوم -

تحالف الحسم يعيد رسم معادلات الإقليم

سام منسي
بقلم - سام منسي

يصعب الحسم بشأن الجانب الأبرز أو الأكثر أهمية في نتائج الزيارة المفصلية للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى كل من السعودية ودولة الإمارات وقطر. من الواضح أن الزيارة ليست مجرد محطة لعقد صفقات استثمارية، بل لحظة مفصلية في ترسيخ معادلات جديدة في الشرق الأوسط، وتثبيت وقائع استراتيجية يصعب تجاوزها، أبرزها: تأكيد تقلّص نفوذ إيران الإقليمي، وعجز حكومة بنيامين نتنياهو عن فرض أجندتها على البيت الأبيض، وصعود سعودي غير مسبوق على المستويين الإقليمي والدولي. كل ذلك في ظل خفوت لافت للدور والوجود الروسي في المنطقة، وبرودة إلى حدود الغياب التام للصين.

أول ما يمكن رصده كنتيجة مباشرة لهذه الجولة هو تثبيت موقع المملكة العربية السعودية كقوة إقليمية كبرى ثلاثية الأبعاد: قوة استقرار سياسي إقليمي، ومركز اقتصادي واستثماري عالمي، ولاعب دبلوماسي وأمني دولي فعّال. لم تعد المملكة تكتفي بلعب أدوار كشريك تقليدي للغرب أو حليف نفطي، بل أصبحت طرفاً محورياً في حل النزاعات وترتيب التسويات، وصاحبة كلمة مرجِّحة في إعادة تشكيل النظام الإقليمي، وشريكاً في صناعة القرار الدولي. أعادت السعودية بخاصة ودول الخليج بعامة تعريف دورها لتكون دولة صانعة للواقع وليست مجرد مستجيبة له، ولعب دور الضامن الأمني لشركائها الإقليميين والدوليين.

ولعل إقناع ترمب برفع العقوبات عن سوريا يعكس الهامش الواسع الذي باتت السعودية تمتلكه للمبادرة والضغط والتفاوض. هذا النجاح ليس فقط نجاحاً دبلوماسياً، بل مؤشر على عمق التغيير في النفوذ السعودي. ولا نغفل هنا ما تعكسه هذه الخطوة من وعي استراتيجي سعودي بأهمية إعادة دمج سوريا في المنظومة العربية، وتحديداً ضمن حلف الاعتدال العربي. فسوريا ورغم ضعفها الحالي، ما زالت تملك وزناً رمزياً وسياسياً، وانضمامها إلى حلف الاعتدال العربي يضيف عمقاً استراتيجياً، ويقطع الطريق على مشروع المحاور المتطرفة والمزايدات العقائدية، وعلى أي فراغ قد تستغله قوى إقليمية. ولا يقتصر أثر هذا النجاح على إعادة التموضع الإقليمي للمملكة، بل يحمل أبعاداً عميقة على الداخل السوري، سواء على صعيد إعادة بناء الدولة، أو ترميم النسيج الاجتماعي والسياسي الوطني واستعادة الاستقلال السياسي، إضافة إلى خلق بيئة اقتصادية تشجع على عودة النازحين. بذلك تكون سوريا عادت إلى العرب، والدولة عادت إلى السوريين.

في الملف الفلسطيني، التباين المتزايد بين ترمب ونتنياهو، خاصة في ما يتعلق باستمرار الحرب على غزة، يفتح الباب أمام تغيير في السياسة الأميركية التقليدية الداعمة بلا شروط لإسرائيل. وقد تجد إدارة ترمب الجديدة نفسها مضطرة للاستماع لمواقف شركائها العرب، وفي مقدمتهم المملكة ودول الخليج التي باتت تطرح نفسها كضامن إقليمي لأي تسوية سياسية مقبلة، بما في ذلك إمكانية الضغط من أجل إنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مستقلة. يبدو أن إسرائيل قد فقدت الامتياز المطلق الذي تمتعت به خلال الولاية الأولى لترمب، وتحوّلت تدريجياً إلى عبء استراتيجي على الإدارة الأميركية، لا سيما أن كل المؤشرات تدل على أن نتنياهو بدأ يخسر أوراقه واحدة تلو الأخرى: تعثر في غزة، وفشل في تقسيم سوريا وتأجيج الفتنة، وفشل في عرقلة المسار اللبناني لاستعادة سيادة الدولة، وتراجع قدرته على التأثير في القرار الأميركي. فهل بدأ العدّ العكسي فعلاً لخروجه من المشهد؟

ولا يمكن في هذا الإطار إغفال التحول في التوازن الإقليمي نتيجة خفوت الدور الإيراني في بعض الساحات العربية، خاصة بعد إعلان الرئيس ترمب عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع طهران. يُنظر إلى هذا المسار كمؤشر على سعي واشنطن لإعادة ضبط العلاقة مع إيران بما يؤدي إلى تقليص تدخلاتها الإقليمية العسكرية غير المباشرة، ويتلاقى مع الجهود السعودية لضبط التوازنات الإقليمية، وكبح مشاريع التفتيت الطائفي، وتعزيز منطق السيادة الوطنية كشرعية وحيدة وبديلة عن الشرعيات الفئوية التي سعت إيران إلى فرضها عبر أذرعها المسلحة. المأمول أن يضمن أي اتفاق تحولاً سلوكياً لدى النظام الإيراني، وأن يشكّل الدور السعودي الجديد نموذجاً جاذباً ومنافساً، يسهم في الضغط على إيران لتعديل سلوكها كي لا تُستبعد من المعادلة الإقليمية الجديدة. دخول نادي الدول الطبيعية قد يصبح مصلحة إيرانية، إذا اقتنعت بأن مشروعها الآيديولوجي لم يعد قابلاً للحياة.

أعادت جولة ترمب الخليجية تعريف أولويات المنطقة، وأثبتت أن من يمتلك الشرعية ويملك القدرة على فرض الاستقرار هو من يصنع المستقبل. الشرق الأوسط يشهد اليوم صعود مقاربة أميركية جديدة، وهذه المرة بتنسيق وثيق مع الشركاء الإقليميين.

أحدهم شبّه مشهد القمة الأميركية - السعودية بمركبة فضائية سوف تنقل راكبيها إلى عوالم جديدة، وعلى رصيف المدرج من يتفرج، ويعتقد أنها ليست أكثر من ضروب الخيال العلمي. أحمد الشرع استلحق وصعد المركبة، في حين أن غيره كثراً، ومنهم لبنان، ما زال ينتظر استكمال متطلبات اللحاق به.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحالف الحسم يعيد رسم معادلات الإقليم تحالف الحسم يعيد رسم معادلات الإقليم



GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 21:04 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 21:03 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«تامر يَجُرّ شَكَل عمرو!»

GMT 21:01 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

رياح يوليو 1952

GMT 20:59 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

لا يجوز في الساحل ولا يليق

GMT 20:58 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

الوزير الخائن دمر الفسطاط (1)

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حرب المساعدات

GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 19:34 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

فرنسا تندد بمقتل ناشط فلسطيني في الضفة
المغرب اليوم - فرنسا تندد بمقتل ناشط فلسطيني في الضفة

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 19:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib