الشرق الأوسط في عام 2024

الشرق الأوسط في عام 2024

المغرب اليوم -

الشرق الأوسط في عام 2024

الدكتور ناصيف حتّي*
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي*

كيف يبدو المشهد في الإقليم الشرق أوسطي مطلع هذا العام؟

سؤال يطرحه كل مراقب أو كل معنيّ بالحالة في الشرق الأوسط أياً كان موقعه أو موقفه. يعود ذلك لتشابك وتداخل وتعدد النزاعات والحروب مختلفة الأشكال والدرجات في المنطقة، وكذلك إلى الموقع التي تحتله هذه في الجغرافيا السياسية الدولية كمسرح استراتيجي يشكّل مساحة تماسٍّ بين القارات الأوروبية والآسيوية والأفريقية. شهد العام الفائت في الإقليم ثلاثة تطورات أو مسارات للتغيير الإيجابي في المنطقة، ولو بدرجات مختلفة من التأثير الذي يعكس حجم وديناميكية كلٍّ من المسارات الثلاثة: أولها دون شك كان المسار التطبيعي السعودي - الإيراني الذي أخذ قوة دفع كبيرة بعد «لقاء بكين» بين القوتين الإقليميتين. ولا بد من التذكير بأن الاستضافة الصينية للقاء دلَّت على الدور الجديد للصين الشعبية في المنطقة.

ثاني هذه المسارات تَمثَّل في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. الأمر الذي عكس وتوَّج عملية التطبيع التدريجي للعلاقات العربية - السورية على الصعيد الثنائي منذ فترة ليست بالقصيرة والتي كانت تجري بسرعات مختلفة. الأمر الذي يحمل انعكاسات مهمة على طبيعة العلاقات وصياغة التفاهمات المستقبلية في الإقليم.

ثالث هذه المسارات تَمثَّل في استكمال عملية تطبيع العلاقات العربية مع تركيا وتعزيز هذه العلاقات في المجالات كافة من سياسية واقتصادية وغيرها، مما أعطى قوة دفع أكبر للدور التركي في المنطقة وبالأخص في صياغة التوازنات الإقليمية.

لكنّ الإقليم الشرق أوسطي شهد أيضاً تفجر أزمات جديدة وتعثر حل أزمات قائمة ستضغط بقوة على الأجندة الإقليمية في هذا العام الجديد.

من دون شك عادت القضية الفلسطينية بعد غياب طويل وعبر الحرب الإسرائيلية على غزة، وتمدُّد هذه الحرب إلى لبنان وازدياد التوتر وتصاعد المواجهة في الضفة العربية لتحتل الأولوية على جدول التحديات الإقليمية؛ غياب نتج قبل هذه الحرب المفتوحة في الزمان والمكان، عن جملة من القضايا الإقليمية الضاغطة التي فرضت أولويتها على الإقليم من جهة، ولأسباب فلسطينية تتعلق بالترهل والانقسامات التي أصابت البيت السياسي الفلسطيني، وأضرّت أكثر ما أضرَّت بالشعب الفلسطيني، وبالأخص بإفقاد قدرته على وضع تحقيق أهدافه الوطنية المشروعة على سلم الأولويات الإقليمية الضاغطة، من جهة أخرى. أسئلة كثيرة تُطرح اليوم من نوع: متى يحصل وقف إطلاق النار، وبالتالي إسقاط الأهداف الإسرائيلية المعلَنة والمستحيلة التحقيق، أم أن إسرائيل قد تدخل في حرب ممتدة ومفتوحة على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية واحتمالات التصعيد الكبير في هذه الحرب إلى الجبهة اللبنانية بالأخص؟ وهل وقف إطلاق النار، متى حصل وإذا حصل، يكفي؟ وما العمل لإعادة إحياء عملية سلام مع وجود سلطة في إسرائيل تمثل أعلى درجات التطرف بأشكاله وأهدافه المختلفة؟ قضية فلسطين عادت لتحتل الأولوية الضاغطة والحاملة لانعكاسات خطيرة ومختلفة، إذا لم تجرِ تسويتها ولو بشكل تدريجيّ على جدول الأولويات في الإقليم. الحرب الدائرة أيضاً وصلت بارتداداتها تحت عنوان وحدة الساحات، إلى «باب المندب» وإلى اليمن والعراق عبر «حروب مقيدة» أو صدامات مباشرة، أو بالوكالة على الخط الغربي - الإيراني بشكل خاص، أياً كانت العناوين التي تحملها هذه الحروب أو هوية بعض أطرافها.

ثم هناك الكثير من التحديات الساخنة على جدول الأولويات الإقليمية، منها غياب أي أُفق فعليٍّ لإطلاق مسار الحل السياسي في ليبيا بعد فشل الأمم المتحدة في إطلاق مسار التغيير عبر الانتخابات المطلوب تحديد موعدها. يعود ذلك إلى استمرار الخلافات بين «المؤسسات الوطنية الرسمية» من مجلس رئاسي ومجلس نواب وحكومة ومجلس أعلى للدولة؛ خلافات تعكس صدام أولويات ومصالح وأهداف مختلفة حول الدولة التي يُفترض إعادة تأسيسها.

من التحديات الساخنة أيضاً والتي تزداد سخونة، الحرب العائدة بقوة في السودان بين الجيش و«قوات الدعم السريع»؛ حرب الإمساك بالسلطة، أياً كانت عناوينها. حرب تشهد تصعيداً وانسداداً أمام الحلول الممكنة رغم التدخل الخارجي وتحديداً من مجموعة دول «إيغاد» للتوصل إلى تسوية تجري صياغتها في إطار هذه المجموعة. ما يزيد من تعقيدات التوصل إلى تسوية سياسية هو تداخل المصالح الخارجية مع الانقسامات الداخلية. الأمر الذي يَعِدُ باحتمال الدخول أيضاً في حرب طويلة ومفتوحة.

نقطتان مشتعلتان، وقد تنضم إليهما قريباً نقطة اشتعال أخرى مع عقد «إقليم أرض الصومال» -غير المعترف به دولياً- تفاهماً مع إثيوبيا يمنح بموجبه الأخيرة قاعدة عسكرية وميناءً تجارياً في مدخل البحر الأحمر. الأمر الذي يهيئ لصراع ليس فقط مع الصومال، بل مع عدد من الدول العربية المعنية بهذه المنطقة الاستراتيجية، والتي رفضت دائماً كل محاولات إثيوبيا في الماضي لإقامة موطئ قدم لها في هذه البقعة الاستراتيجية... صراعات قابلة للتوتير في الجوار الإقليمي المباشر أساساً، ولكن الأبعد من المباشر في لعبة التحالفات ومقايضة المكاسب.

التفاهمات التي استقرت، والتي أشرنا إليها، تعطي قوة دفع كبيرة للاستقرار واحتواء الخلافات ومنع تصعيدها. ولكن تبقى المخاوف قائمة من تداعيات هذه النقاط الساخنة، وتوظيفها في صراعات جديدة أو تجديد صراعات هدأت.

رغم ذلك كله يبقى العنصر الأساسي والضاغط على جدول الأولويات الإقليمية بوصفه حاملاً لتحديات متعددة ومعقَّدة، هو كيفية وقف الحرب الإسرائيلية الدائرة والمفتوحة على التصعيد، والعمل على إطلاق مسار تدرُّجي وجاد، ولو أنّ دونه الكثير من الصعاب لتسوية القضية الفلسطينية.

جدول مُثقَل بالتحديات الإقليمية في بداية العام الجديد يدفع إلى التذكير بأنَّ التعاون بين الأطراف الإقليمية الفاعلة والمؤثرة، أكثر من ضروري لإطفاء الحرائق القائمة والمحتملة أو القادمة التي تطول في النهاية مصالح الجميع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط في عام 2024 الشرق الأوسط في عام 2024



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح

GMT 12:05 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ميسي يعلن أنه لن يلعب لأي فريق أخر في أوروبا

GMT 13:40 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

الرجاء يخوض منافسات كأس الكاف بقميص جديد

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الوردي والذهبي مع الباستيل آخر صيحات موضة 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib