اليوم التالي متى

اليوم التالي... متى؟

المغرب اليوم -

اليوم التالي متى

ناصيف حتّي
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي*

هذا هو السؤال الذي صار متكرراً وبإلحاح، بعد شهر من الحرب الدائرة، واستراتيجية التدمير المُمَنهج التي تقوم بها إسرائيل في غزة تحت عنوان التخلص كلياً من «حماس»: تنظيماً وعسكراً وسلاحاً وسياسة.

وزير الدفاع الإسرائيلي اعتبر، في بداية الحرب، أن ذلك ممكن تحقيقه بين شهر وثلاثة أشهر. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أشار، بعد دروس المرحلة الأولى، إلى أن ذلك قد يستغرق عاماً أو أكثر. استمرار الحرب الإسرائيلية والتصعيد الحاصل يأتي تحت عنوان «حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها». البعض في إسرائيل وبين أصدقائها مَن يصف هذا التصعيد بالحرب الوقائية أو الحرب الاستباقية للتخلص من مصادر الخطر والتهديد لإسرائيل. الأمر الذي تبرره الولايات المتحدة، ومعها مُجمل القوى الغربية، ولو بدرجات وصيغ مختلفة.

آخِر المواقف في هذا الصدد «استمرار التباين» العربي الأميركي، في اللقاء الوزاري في الأردن، يوم السبت الفائت. الدول العربية تؤكد ضرورة الوقف الفوري للقتال، فيما واشنطن ترفض ذلك، حفاظاً على «حق إسرائيل في الدفاع عن ذاتها».

وتدعو واشنطن لتفعيل سياسة تقوم على الهدنات الإنسانية الضرورية بالطبع، ولكن غير الكافية كليّاً. نصائح أميركية بدأت الوصول إلى إسرائيل بضرورة إعادة النظر في «الاستراتيجية القتالية» بسبب الخسائر الفادحة في الأرواح نتيجة «المرحلة الثانية» في الحرب الإسرائيلية، والهجوم على غزة من محاور ثلاثة. الأمر الذي صار يحرِّك بقوة متزايدة الرأي العام الدولي ضد الحرب، ويُحرج السلطات المؤيدة للحرب في مجتمعاتها. وينعكس ذلك سلباً على العلاقات مع الدول العربية حاضراً ومستقبلاً.

النصائح الأميركية تدعو إلى استبدال بالاستراتيجية القتالية القائمة على القصف المكثف والشامل «carpet bombing» استراتيجية «الضربات الجراحية»؛ أي تلك المحددة بالأهداف العسكرية لتلافي حصول المجازر. يطيل ذلك بالطبع من أمد الحرب، ولكنه لن يحقق الأهداف الإسرائيلية المنشودة، والقائمة على إخراج «حماس» وحُلفائها كلياً من المشهد الغزّاوي بشكل خاص، بغية إلغاء التهديدات التي مصدرها قطاع غزة كلياً. سيناريوهات الحلول الإسرائيلية التي يجري التفكير بها هي التالية: الخيار الأول يقوم على تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، وهو أمر مرفوض كلياً من السلطة، كما لو أنها تأتي على ظهر دبابة إسرائيلية، وهو أيضاً أمر شِبه مستحيل حصوله حتى افتراضياً، بسبب الأوضاع التي تعيشها السلطة الفلسطينية منذ سنوات. الخيار الثاني يتمثل في إنشاء سلطة محلية تقوم بتأمين الاستقرار لإسرائيل ضمن مسؤوليات أخرى تتعلق بإدارة القطاع، وهو أيضاً يعكس كلياً عدم الإدراك لوضع غزة كسجن، ذات سماء شبه مفتوحة، وكجزء من الشعب الفلسطيني بهويته ومطالبه الوطنية، أيّاً كانت العناوين الأيديولوجية والسياسية التي تحملها الأطراف الفلسطينية المُمسكة بالقرار السياسي في لحظة معينة. الخيار الثالث يتسم أيضاً بافتقاده الحد الأدنى من الواقعية، كتسليم غزة إلى سلطة عربية تنشأ لهذا الأمر، وهو أمر بالطبع مرفوض من قِبل الأطراف العربية التي يُشار إليها؛ لأن الهدف يبقى هو ذاته إخراج غزة من «معادلة» النزاع الفلسطيني الإسرائيلي لمصلحة إسرائيل.

وتعتبر إسرائيل أن وجود مسافة جغرافية، ولو صغيرة، تفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية يسمح بإحداث فصل أو فك ارتباط هوياتي ووطني وسياسي ومجتمعي في إطار المجتمع الفلسطيني ذاته، الذي يرزح تحت الاحتلال بأشكال وصيغ مختلفة.

جبروت القوة والتطرف العقائدي والسياسي القائم على عدم الاعتراف بالآخر الفلسطيني، كشعب له حقوقه الوطنية، سيؤديان إلى مزيد من التوترات والحروب بدرجات وأشكال مختلفة.

قد تفرض الحروب استقراراً يبقى هشاً وقابلاً للسقوط أمام أي معطى جديد، ولكن الحروب لا تصنع السلام الحقيقي ما دامت لا تعترف بالحقوق المشروعة للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال، وتعمل على محاولة إلغاء هويتها الوطنية.

الحل الواقعي الوحيد يبدأ بالعمل على الوقف الفوري لإطلاق النار، مع ما يستدعيه ذلك من ترتيبات وضمانات أمنية متوازنة، ثم الولوج التدريجي نحو إحياء مسار التسوية السلمية للنزاع القائم منذ عقود سبعة ونصف عقد من الزمن. نحن أمام معادلة قوامها أن إسرائيل لا تستطيع أن تفرض سلامها القائم على إلغاء الآخر الفلسطيني بصفته شعباً، بالحرب، ولا يستطيع الفلسطينيون والعرب، اليوم، فرض سلامهم الواقعي والقائم على القرارات الدولية ذات الصلة.

السلام الإسرائيلي، سلام القوة، مستحيل؛ لأنه ضد منطق التاريخ وضد معطيات طبيعة الصراع وواقعه، والسلام العربي ممكن، ولكنه ليس بالسهل تحقيقه بسبب التوازنات الدولية والإقليمية القائمة. لكن هذه الأخيرة تبقى قابلة للتغيير من خلال مسار سياسي هادف.

ويبقى السؤال مطروحاً وضاغطاً: متى نبدأ ولوج طريق السلام الصعب، ولكن غير المستحيل، وفتح صفحة جديدة لبناء شرق أوسط مختلف؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليوم التالي متى اليوم التالي متى



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 05:24 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 19:51 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

حفل افتتاح بنكهة أفريقية للشان في المغرب

GMT 13:32 2025 الثلاثاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أنشيلوتي يطمح لقيادة البرازيل نحو لقبها العالمي السادس

GMT 14:13 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تقنية ثورية للتحكم في النعاس أثناء القيادة من باناسونيك

GMT 04:57 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

ظهور دولفين مهجن آخر في هاواي

GMT 04:45 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحسين عموتة يهدد اللاعبين الذين تراجع مستواهم

GMT 05:18 2015 الجمعة ,02 كانون الثاني / يناير

محمد جبور يعرب عن فخره بنجاح تصاميمه عالميًا

GMT 14:45 2017 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

تصنيف “جامعة الرباط” في المرتبة 15 إفريقيّا

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 00:26 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الفنانة بوسي تكشّف أسباب ابتعادها عن الأدوار الكوميديا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib