متغيرات فاعلة في نظام عالمي جديد

متغيرات فاعلة في نظام عالمي جديد

المغرب اليوم -

متغيرات فاعلة في نظام عالمي جديد

الدكتور ناصيف حتّي*
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي*

أي نظام عالمي جديد في طور التشكل؟ سؤال يطرح بشكل مستمر، سواء في الأوساط الدبلوماسية، أو السياسية الدولية المختلفة، أو في الأوساط الفكرية والأكاديمية. فنظرية صدام الحضارات عند صامويل هانتغتون، كأحد عناصر التأثير في تبلور النظام الجديد، أثبتت عدم صحتها. فالصدام يتم عادة بين متطرفين وأصوليين يصادرون أو يدعون الحديث باسم الهوية التي ينتمون إليها. ولكن الصدام في حقيقة الأمر هو ضمن الحضارات بين الذين يؤمنون بالإنساني المشترك الذي يحتضن الاختلاف ولا يعدَّه مصدر صراع حتمي، وبين الإلغائيين الذين يصادرون التحدث أو التعبير عن هوية معينة وطنية أو دينية أو إثنية أو غيرها، لرفض الآخر كلياً المختلف عنهم أو لإخضاعه ضمن نظام تمييز أياً كان عنوانه. نظرية نهاية التاريخ أيضاً لفرنسيس فوكوياما القائمة على انتصار النموذج الغربي الليبرالي أثبتت أيضاً عدم دقتها من حيث الخلاصات التي وصلت إليها. تيارات مقاومة العولمة الجارفة، ولو بأشكال مختلفة، تزداد قوةً وانتشاراً في العالم. نموذج القرية الكونية أثبت عدم صحته لفهم العالم الجديد المعولم. جملة من السمات الدولية الآخذة في الاستقرار على الصعيد العالمي تدل على أن النظام الدولي (والبعض يفضل استعمال النظام العالمي الجديد للدلالة على وجود أطراف غير الدولة فاعلة ومؤثرة في الشؤون العالمية من منظمات وأطراف وقوى مختلفة) لم يتبلور بعد في صيغة مستقرة ذات قواعد وأعراف ناظمة للحياة والتفاعلات الدولية أو العالمية.

جملة من المؤشرات تدل على تبلور أنماط جديدة، بعضها أخذ في الاستقرار، وبعضها الآخر ما زال في طور التبلور: إذا كان «الشرق الاستراتيجي العقائدي» قد انتهى مع سقوط الاتحاد السوفياتي والتداعيات التي رافقت ذلك على حلفائه في مختلف المجالات فإن «الغرب الاستراتيجي العقائدي» أخذ في التفكك. ولكن خلافاً للشرق الذي انتهى، كما أشرنا، فإن الغرب المشار إليه يتحول بعد انتصاره بالضربة القاضية إلى غرب متعدد في فكره وسياساته ورؤيته وأولوياته وعلاقاته مع الآخرين، وضمن ما بقي من البيت الواحد. التمايز والاختلافات في الأولويات والمصالح في البيت الغربي تزداد بشكل تراكمي مما يضعف من التماسك الاستراتيجي عند هؤلاء. خير أمثلة على ذلك «الحرب السياسية» الأميركية الأوروبية حول أوكرانيا، الأمر الذي يعكس اختلافاً في الأولويات وفي المقاربة، بين التصعيد الأوروبي مع روسيا من جهة، والغزل الأميركي معها من جهة أخرى. في السياق نفسه نشير إلى السياسة الحمائية أو الحرب التجارية التي تتبعها إدارة ترمب في التجارة الدولية، وتصيب بشكل أولي جيران واشنطن وحلفاءها الغربيين. مثال آخر يحمل دلالات مهمة في ظل أولوية واشنطن الاستراتيجية في مواجهة الصين الشعبية على كافة الأصعدة، الاجتماع الوزاري حول تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري الذي انعقد نهاية شهر مارس (آذار)، الذي جمع ممثلي الصين الشعبية وكوريا الجنوبية واليابان، ليعزز مساراً ليس جديداً ولكنه اتسم بإطلاق دينامية متجددة لحلفاء واشنطن على الصعيد الاستراتيجي. واشنطن التي تعدُّ الصين الشعبية الخطر الاستراتيجي الأول لها وجدت حلفاءها يبحثون عن تطوير علاقاتهم مع بكين. فالحلف الأطلسي الذي أخذ جرعة قوة أحيته من جديد مع الإدارة الأميركية السابقة عاد اليوم ليصبح أسيراً للخلافات ضمن أبناء البيت الغربي الواحد، في الوقت الذي تعدُّ فيه واشنطن التحدي الأكبر لها هو في منطقة المحيطين وليس في القارة الأوروبية. الشيء ذاته يمكن الإشارة إليه عندما يتعلق الأمر بنهوض دور «البريكس» بعد توسيع عضويتها كتحالف يمثل «الجنوب العالمي» الصاعد. ولكن بعيداً عن الشأن التعاوني «كجنوب» ناشط في مواجهة «شمال» متراجع بسبب ازدياد القدرات الاقتصادية والتجارية والتنافسية للجنوب، فالخلافات بين أركان البيت الجنوبي لم تغب كما هي الحالة بشكل كبير ولو مقيداً تحت سقف معين حتى الآن بين الهند والصين الشعبية: من أبرز مظاهر ذلك التنافس بين المشروع الهندي المسمى بالممر الاقتصادي من الهند عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا، والمشروع الصيني المعروف بمبادرة «الحزام والطريق». من المتغيرات الدولية أيضاً أن هنالك قوى إقليمية تحولت إلى قوى دولية فاعلة بسبب دورها الناشط والوازن في القضايا الدولية خارج الإقليم الذي تنتمي إليه. وفي طليعة هذه القوى تأتي المملكة العربية السعودية، كما يظهر من دورها الدبلوماسي التوسطي الناشط والمبادر على صعيد الأزمة الأوكرانية، كمثال على ذلك، خصوصاً في إطار المثلث الأميركي الروسي الأوكراني. الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل من القوى الإقليمية التي أخذت أيضاً ببلورة دور وازن لها على الصعيد الدولي.

خلاصة الأمر أن هنالك عاملاً أساسياً شديد التأثير في عملية تشكيل النظام العالمي الجديد، وهو أن التحالفات الفاعلة من حيث أوزانها، وليس التحالفات الرسمية التقليدية والمؤسسية، تقوم بين الدول في قضية أو قضايا معينة، وقد تختلف أو تبتعد هذه الدول عن بعضها البعض في قضايا أخرى في الحلف المؤسسي الدولي أو الإقليمي ذاته. لا يمنع ذلك بالطبع من الاستمرار في إدارة علاقاتها التعاونية أو التشاورية في الحد الأدنى ضمن هذا «البيت» المؤسسي الذي تنتمي إليه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متغيرات فاعلة في نظام عالمي جديد متغيرات فاعلة في نظام عالمي جديد



GMT 17:11 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة أوهام إيران والإخوان

GMT 17:10 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

يوم وطني في حرثا

GMT 17:08 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مفكرة القرية: القرد وعايدة

GMT 17:07 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

تعفّن الدماغ... وحبوب الديجيتال

GMT 17:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 17:03 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

أي كأس سيشرب منها كل من خامنئي وترمب؟

GMT 17:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

«كايسيد»... آفاق مشتركة للتماسك الاجتماعي

GMT 17:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

المستفيدون من خفض سعر الفائدة

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 21:47 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

بوتين يعلن عن هدنة "عيد الفصح" في أوكرانيا
المغرب اليوم - بوتين يعلن عن هدنة

GMT 19:44 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”
المغرب اليوم - فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib