قراءة الموتى

قراءة الموتى

المغرب اليوم -

قراءة الموتى

سوسن الأبطح
بقلم - سوسن الأبطح

غالبية الفرنسيين باتوا يشترون الكتب المستعملة، من على المنصات الإلكترونية أو من المكتبات. وفي «معرض بيروت للكتاب» قبل أشهر، طفت الظاهرة على السطح، وأخرجت دور النشر ما في مستودعاتها، وكان بعضه ثميناً ويغري فعلاً بالشراء. وجاء الشبان جماعات لانتهاز الفرصة. كتب قديمة أو مستعملة، ما يهم هو أن السعر أقل بما لا يقاس بالمطبوعات الجديدة التي صارت رهينة ارتفاع الأسعار، وأسيرة تضخم لا يرحم.
الناشرون في أوروبا يحاولون إيجاد السبل لتخفيض تكاليفهم قدر الممكن، ما داموا غير قادرين على رفع سعر الكتاب بأكثر من هامش بسيط، كي يحافظوا على قرائهم. لكن السؤال: كم ستدوم الأزمة؟ وهذا يترتب عليه الكثير. فما يمكن احتماله هذه السنة سيكون محالاً العام المقبل.
محبو الكتاب من ناشرين وقراء، جميعهم يقاومون، مع علمهم المسبق أن الثقافة هي الخاصرة الأضعف. ففي فرنسا، ترافق الدخول المدرسي بصدور ما يقارب 500 رواية، بارتفاع طفيف عن العام الماضي. وفي إسبانيا زادت نسبة القراءة 2 في المائة عن السنة السابقة، ذلك أن أكثر من ثلاثة أرباع الإسبان يقرأون بشكل منتظم كتاباً كل شهر، والنسبة ترتفع قليلاً لدى الشبان الصغر سناً.
الأرقام والإحصاءات الأوروبية تجعل الصورة واضحة والتشخيص أسهل. عربياً، ثمة اعتماد على التقديرات. يعتقد الأديب إبراهيم عبد المجيد أن ثلث دور النشر الصغيرة أغلقت أبوابها. وكثير منها خفض إنتاجه، فرأس المال وقلة الإقبال على الشراء لم يساعداها على أن تستمر في نشر العدد الذي كانت تنشره كل عام.
ارتفاع سعر الورق بما نسبته مائة في المائة في عام واحد فقط، أحدث صدمة في سوق النشر عالمياً. وإذا أضفنا صعوبة الشحن التي بدأت خلال الجائحة، وشُح المواد الأولية، وارتفاع تكاليف الكهرباء، والرواتب، هذه كلها ستؤدي في النهاية إلى جعل الكتاب مادة غالية الثمن.
خلال الوباء، عديدة هي مصانع الورق التي أغلقت، والبعض الآخر خفض إنتاجه، بينما روسيا التي تصدِّر إلى مصر -مثلاً- ثلث حاجتها، هي اليوم في حرب.
ومن الآن، يفضل عديد من دور النشر، حين لا يكون المؤلف نجماً ومضمون القراء، أن يدفع بنفسه جزءاً من تكلفة الإصدار أو كله. هذا معناه أن الأغنياء وحدهم سيتمكنون من طباعة كتبهم، إذا لم تتدخل الحكومات لشراء النسخ، أو تدعم النشر.
وعكفت «دار الجديد» التي تعاني صعوبات مالية منذ سنوات، ولم تزدها الأزمة إلا إصراراً على إيجاد الحلول، على نشر غالبية كتبها الجديدة إلكترونياً ومجاناً، على موقعها الخاص. صاحبة الدار رشا الأمير تعترف بأنها لا تملك المال ولا اللوجستيات لإيصال الكتاب إلى القارئ العربي؛ كل في بلده، فهذا يستغرق وقتاً وجهداً ومالاً؛ لكنها تتمكن حالياً -بفضل الإلكتروني- من إيصال الكتاب الجديد إلى كل من يرغب.
هذا لا يحل المشكلة، وإن بدا ظاهرياً كذلك. فإذا كانت الطباعة هي أقل من نصف كلفة الكتاب بقليل، يبقى التحرير والتدقيق والمراجعة والإخراج الفني، وهذا مكلف، والمهرة في المهنة يرفعون أسعارهم لقلة أعدادهم.
الكتاب الورقي لم يعد متربعاً وحده على العرش. الكتاب الإلكتروني الذي لجأت إليه «دار الجديد» ودور أخرى، له أشكال عديدة، والقراصنة صاروا أسرع من الناشرين.
وأمام هذه الفوضى؛ حيث تحاول النصوص الجديدة أن تتموضع، وتجد الوسيلة الفضلى للوصول إلى القراء، تقرر «سبوتيفاي» المنصة الأميركية العملاقة للموسيقى، والصوتيات، أن تخوض تجربة نشر الكتب المسموعة من أوسع أبوابها. فهو بالفعل لا يزال مجالاً بكراً نسبة إلى المجالات الأخرى، ويزيد الطلب عليه 20 في المائة سنوياً.
وتقدم «سبوتيفاي» لزوارها 300 ألف كتاب مسموع، من بين روائع الكتب وعظيمها، بعد أن استحوذت على «فيند أواي» الرائدة في الكتب الصوتية.
هي محاولات لها ما يوازيها بالعربية؛ إذ نجد على منصة «أنغامي» عديداً من الكتب المسموعة؛ لكنها مختصرة، ولا تتجاوز مدتها الدقائق القليلة. وهي من نوع: «مقدمة عن النسوية والنسويات»، و«إدارة الوقت»، و«غيّر رؤيتي عن الحياة». ولا نعرف إن كان ذنب «أنغامي» أم العيب في القارئ العربي الذي يعطي انطباعاً بأنه لا يقرأ، وإذا سمع لا يصبر ولا يصغي. وهذه أسئلة تستحق نظرة معمقة.
كل يبحث عن بدائل للكتب الورقية الكلاسيكية التي تتحول صناعتها إلى ما يشبه الجواهر، إن استمرت الأزمة، وتلجأ الغالبية؛ خصوصاً المنصات الأدبية الكبيرة، إلى تسجيل الكتب القديمة التي تجاوز عمر وفاة صاحبها السبعين عاماً، كي توفر على نفسها تكلفة حقوق الكاتب. ولا بأس بالاستفادة من مجانية قراءة الموتى، فذاك حلّ جيد في فترة الأزمات.
إذا كان الناشر الغربي مأزوماً، فالعربي مخنوق؛ لأن الثقافة ليست مدعومة في الغالب من الحكومات، ولا تشبِّك المؤسسات بعضها مع بعض، أو تعقد شراكات حقيقية، لتتمكن من صدّ الصدمات. كما أن دور النشر الكبرى الإنجليزية والفرنسية تستفيد من مداها اللغوي إلى أقصى حدٍّ، لتتمكن من تفادي الإفلاس، بينما لا تزال الدول العربية بالنسبة للكتب أشبه بجزر ثقافية، وهذا سيجعل من أزمة الكتاب العربي كارثة كبرى، وإحباطاً للكُتاب والناشرين معاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة الموتى قراءة الموتى



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 16:02 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة سلام الفيفا الأولى تشعل المنافسة بين أبرز الأسماء
المغرب اليوم - جائزة سلام الفيفا الأولى تشعل المنافسة بين أبرز الأسماء

GMT 13:17 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة
المغرب اليوم - الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون

GMT 15:10 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

ما صدر في قضية بورسعيد قرار والحكم 9 مارس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib