عندما يهرب العلماء

عندما يهرب العلماء

المغرب اليوم -

عندما يهرب العلماء

سوسن الأبطح
بقلم - سوسن الأبطح

التعليم العالي في أميركا أمام معضلة كبرى، إذا استمرت هجرة الأكاديميين والبحاثة. من بين 293 أستاذاً في الجامعات الأميركية شملهم الاستطلاع في الشهرين الأولين من السنة الحالية، 78 في المائة منهم قالوا إنهم مهددون، وإن أبحاثهم تتأخر، ويودون الهجرة. استطلاع آخر شمل 1600 باحث، تبيَّن أن ثلاثة أرباعهم يرغبون في مغادرة البلاد. مؤشرات في غاية الخطورة، في قطاع هو أساس أي نهضة علمية وابتكار، ومدماك رئيسي لأي طموح مستقبلي.

«هارفارد»، «كولومبيا»، «ستانفورد»، «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، وغيرها هي حلم أذكياء العالم ونوابغهم. التخرج فيها يفتح الأبواب الموصدة. ليست مصادفة أنها من بين أثرى الجامعات، لما يتدفق عليها من أموال، والآلاف من متخرجيها يتحولون إلى مليارديرات، بفضل ما تؤمنه لهم شهاداتهم من معرفة، وما تمثله من جواز مرور إلى مناصب عصية على غيرهم.

أن تنقلب الصورة، في وقت قياسي، لهو أمر جلل. مشهد هجوم رجال الأمن العنيف على الطلاب المتظاهرين من أجل غزة العام الماضي في حرم الجامعات، كان مجرد واجهة. ما حدث بعد ذلك من تهديدات، ومحاسبات وإقالات لطلاب وأفراد من الهيئات التعليمية، كان له ما بعده.

هذا القطاع الذي يجلب لأميركا أكثر من 50 مليار دولار في السنة، من دون احتساب مصاريف الطلاب وإيجاراتهم ونزهاتهم، ينزف أساتذته؛ حيث بدأت هجرتهم إلى جامعات كندية وأوروبية ووجهات أخرى. خضوع جامعة كولومبيا لشروط الرئيس ترمب بعد أن سحب منها تمويلاً بـ400 مليون دولار، وموافقة الإدارة على إجراء مراجعات جذرية في قسم الدراسات الشرق أوسطية، وإلغاء اتفاقيات، وتغيير رئيس الجامعة للمرة الثانية في سنة ونصف السنة، كانت بمثابة جرس إنذار. كذلك إقالة بحَّاثة كبار في مركز دراسات الشرق الأوسط بهارفرد، بحجة التحيز لإسرائيل، لم يبد مستساغاً.

بدا الأساتذة في البحث عن بدائل تؤمن لهم حرية أكبر. وأول المهاجرين الأكاديميين هم أكثرهم كفاءة؛ حيث تتسابق الجامعات الطموحة لكسبهم.

تسرع أوروبا، خصوصاً فرنسا وألمانيا وهولندا، لاغتنام الفرصة الذهبية، وكندا كذلك. هؤلاء يهربون من شح تمويل الأبحاث، بعد أن كان السخاء هو القوة السحرية للجامعات الأميركية. لذلك يحاولون في كندا جمع تبرعات لتمويل أعمال البحاثة الجدد. جامعة بروكسل الحرة أنشأت موقعاً إلكترونياً خاصاً ليكون جسراً للالتقاء بهؤلاء الأساتذة، الباحثين عن فرصة.

من يصدق أن فرنسا التي هاجر بحاثتها طوال العقدين الأخيرين إلى الإلدورادو الأميركي، ترصد جامعة «إكس مارسيليا» مبلغاً وصل إلى 15 مليون يورور، لإغراء الأكاديميين الفارّين من أميركا، الذين هم ليسوا بالضرورة أميركيين. وبحسب تقرير، فإن جامعات مدينة مارسيليا تتلقى كل يوم 12 طلباً، ممن بات يُطلق عليهم «طالبو اللجوء العلمي»، حتى جامعة كييف المنهكة تدلي شباكها لتطارد الكنوز المعرفية الهاربة.

لاستيعاب الراغبين في ترك الجامعات الأميركية، وطمعاً في الاستفادة منهم، نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية عريضة وقعها 350 عالماً، يطالبون المفوضية الأوروبية بإنشاء صندوق طوارئ بقيمة 750 مليون يورو لاستيعاب آلاف العلماء المهاجرين من أميركا.

الأساتذة ليسوا وحدهم من يشعرون بالتهديد، والتكميم، وخطر الطرد، وربما السجن. الطلاب الدوليون، الذين يصل عددهم إلى أكثر من مليون طالب، هم بالفعل دينامو الحيوية الأميركية الخلاّقة، لكنهم يجدون أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، وهو ما قد لا يشجع طلاباً جدداً على الالتحاق بجامعات كانت جزءاً من حلمهم العلمي. ويبدو أن البديل لهؤلاء من الآن هي المملكة المتحدة، التي تعدّ نفسها لزيادة قدراتها الاستيعابية.

خسارة رهيبة للإبداع الأميركي الذي من دونه لا يمكن للبلاد أن تعود «عظيمة» مرة أخرى. التعليم في الولايات المتحدة يشعل جذوته الاختلاط والتكامل والتنوع، هذه المفردات لا تحبها الإدارة الجديدة.

مع ذلك، لا تعبأ إدارة الرئيس ترمب بإغراء الطلاب الدوليين، بل وُضِعوا تحت ضغط كبير. قبل أيام، استفاق مئات الطلاب على رسائل إلكترونية من وزارة الخارجية، بعضهم هنود وصينيون ومن جنسيات أخرى لا علاقة لها بالعرب والمسلمين، تطلب منهم ترحيل أنفسهم بسبب مخالفات ارتكبوها. واستغرب كثيرون، لأنهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئاً يُذكر، ليتبيَّن أن بينهم من تمت محاسبتهم على مشاركة منشورات على وسائل تواصل، أو حتى لأنهم أُعجبوا بمنشور لم يرُقْ للإدارة الجديدة.

بالفعل تم ترحيل 300 طالب أجنبي، في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بعد تفعيل برنامج إلكتروني هو «الرصد والإلغاء». وكما يدل اسمه، يتتبع الطلاب ويرصد أنشطتهم الإلكترونية، ويتخذ القرارات بحقهم، ولا وقت للمراجعة أو التشكي.

كان الطلاب الصينيون هم الأكبر عدداً، وتعرضوا منذ سنوات للضغط والإزعاج. الآن يشتكي الهنود كما العرب وجنسيات أخرى.

الدائرة تضيق على الجامعات، لكن أميركا بهذا النهج تحاصر نفسها، وتفسح الباب أمام الدول التي تريد أن ترث علماءها، أن تحصل عليهم بأبخس العقود وأسرع الطرق.

ما خطة الإدارة الجديدة حقاً؟ وهل هكذا تصل إلى مبتغاها؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يهرب العلماء عندما يهرب العلماء



GMT 17:11 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة أوهام إيران والإخوان

GMT 17:10 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

يوم وطني في حرثا

GMT 17:08 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مفكرة القرية: القرد وعايدة

GMT 17:07 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

تعفّن الدماغ... وحبوب الديجيتال

GMT 17:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 17:03 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

أي كأس سيشرب منها كل من خامنئي وترمب؟

GMT 17:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

«كايسيد»... آفاق مشتركة للتماسك الاجتماعي

GMT 17:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

المستفيدون من خفض سعر الفائدة

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib