عالم يتلكَّأ في إعادة رسم خرائطه

عالم يتلكَّأ في إعادة رسم خرائطه

المغرب اليوم -

عالم يتلكَّأ في إعادة رسم خرائطه

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

في الأمم المتحدة تتجمَّع 194 دولة. في كلّ سنة تعقد الجمعية العامة، دورةً يلتقي فيها قادةُ العالم، يتحدَّثون عن أمهاتِ القضايا الإقليمية والدولية، ثم ينفضُّ الاجتماع العالمي الكبير، لكنْ كلُّ ما قيل في الخطب القصيرة والطويلة، لا يتحوَّل إلى أفعال، تحرك أو تغير ما يموج في العالم من أزمات سياسية واقتصادية ومناخية. مجلس الأمن بأعضائه الخمسة عشر، هو الأداة التنفيذية لحفظ السلم والأمن الدوليين، لكن القرار في يد الدول الخمس التي تملك حقَّ الفيتو. الخلافات بين الأقوياء الخمسة، كثيراً ما تحوّل هذا المجلس إلى كائن معاق ويعيق.

بعد الحرب العالمية الثانية، انقسم العالم إلى كتلتين رئيسيتين. غربية رأسمالية تقودها الولايات المتحدة، واشتراكية يقودها الاتحاد السوفياتي. ساد سلام مدجّن، فيما عرف بالحرب الباردة، وإن لم تغب الحروب الإقليمية المحدودة. منطقتا الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا، كانتا فوهتي بركان الصراع المسلح. لكن السلاح لم يصمت في مناطق أخرى. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتفكك الكتلة الاشتراكية الشرقية، انفرد الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، بقوة التأثير في الفعل العالمي سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً.

اليوم نشهد عالماً جديداً يتخلق، بقدرات وسرعة غير مسبوقة. لم تغبِ الصراعاتُ الإقليمية، والاضطرابات الشعبية والمشاكل الاقتصادية. الحربُ الروسية في أوكرانيا، ألقت ثقلاً حاراً على سطح العالم، ولا يلوح ضوءٌ لحل قريب. إلى أين ستمضي هذه الحرب التي طالت، ويذكيها دعمٌ عسكريٌّ وسياسيٌّ غربيٌّ أوروبيٌّ أميركيٌّ لأوكرانيا، وتصلّب روسيٌّ يصعّد عنفَه العسكري، وتغيب التنازلات المتبادلة، التي تفتح مسارب السلام. القضية الفلسطينية لم تعد جرحاً عربياً فقط، بل تطورت إلى ناقوس دم يهزّ العالم بأسره. حربُ الإبادة الواسعة التي شنَّتها إسرائيلُ على غزة، دخلت إلى شوارع المدن في كل قارات العالم. المظاهرات التي تدافعت فيها الملايين تضامناً مع الضحايا والجرحى في غزة، وإدانة للدمار الشامل على أرضها، إعلان عن بروز قوة عالمية فاعلة سياسياً وأخلاقياً، فرضت على الحكومات في العديد من دول العالم، تعديل أو تغيير مواقفها تجاه إسرائيل. لقد تضامنتِ الشعوب، مع الشعب الفيتنامي ضد الحرب الأميركية الطويلة عليه، وانعكس ذلك التضامن على الداخل الأميركي ذاته، لكن حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، كان لها ظهيرٌ غير مسبوق، وهو وسائل الإعلام المرئية، التي أدخلت مشاهد تلك الحرب إلى البيوت والضمائر على اتساع الدنيا. القضية الفلسطينية جرح لم يندمل، بل يزداد نزفاً كل ساعة. الاستيطان الإسرائيلي الذي يقضم دون توقفٍ أجزاء من الضفة الغربية، والإصرار الإسرائيلي على رفض قيام دولة فلسطينية، وجنوب لبنان حيث يستبيح الجيش الإسرائيلي أرضَه يومياً. إيران رقعة القلق المتفجر تمدُّ أذرعها العقائدية المسلحة في أماكن مختلفة، تضربها المطارقُ الجويَّة الإسرائيلية والأميركية، يلتف حولها زنّار أسئلة متحركة. ويبقى ما يُسمى الشرق الأوسط، جبالاً من القشّ القابلة للحرق والاحتراق.

حروب أهلية في بقاع مختلفة من العالم، وعواصف إرهابية يذكيها التطرف، ومجاعات يعاني من ويلاتها الملايين. شبابٌ وكهول يغامرون بعبور الصحراء الكبرى، وركوب البحر على قوارب الموت، في هجرات المغامرات الأخيرة، نحو دول تلوح منها أضواءُ الحياة والرفاهية. أفريقيا القارة السمراء الواسعة التي تعيش فوق كنوز من أغلى المعادن، وتتدفق الأنهار فيها، وغابات تجعل من أراضيها جناتٍ خضراء، أرهقتها الانقلاباتُ العسكرية والحروب الأهلية والصراعات القبلية، وزحفتِ المجموعات الإرهابية على مساحاتٍ واسعة فيها. غابتِ التنميةُ والحكمُ الرشيد في عدد من البلدان الأفريقية، وتزاحمتِ الأطماع الخارجية، حتى تحوَّلت إلى حربٍ باردة بين المتدافعين على ما في بطن القارة وفوق أرضها. عالمنا يعيش اليوم حالةَ فقدان توازن عشوائي، تحركه أنانية انتهازية. الدول الأكثر غنى لا تعير اهتماماً بتلك التي يسحقها الفقر والاضطراب. حروب كبيرة وصغيرة، لا تحرك من لهم القدرة على كبح ويلاتها. الحديث عمَّا يعانيه المناخ في العالم، لا يجد خطواتٍ عمليةً تنفيذية، لمواجهة الكوارث التي تهدّد البشر، وما زال الفحمُ الحجري المصدر الخطير للتلوث، يشكل مصدراً أساسياً من مصادر الطاقة، دون الالتزام بما تم الاتفاق عليه بين الدول.

ما أُطلق عليه اسم العالم الثالث، وهو يضمُّ دولاً أفريقية وآسيوية وأميركية لاتينية، يعاني من ويلات الفقر والبطالة وتدني مستوى التعليم، دون أن تمتدَّ له يد المساعدة من القادرين، في العالم الأول والثاني.

هذه القراءةُ للواقع العالمي اليوم، لا تحمل نبرةَ تشاؤم، بقدر ما تحاول طرح أكثرَ من سؤال. هل هناك إمكانية أن تكون هناك مراجعة سياسية عالمية جادة، للخريطة الاقتصادية والسياسية والبيئية لعالمنا اليوم، وتخليق مقاربة مسؤولة، لرتق ما يعانيه العالم من فجوات، لا تهدد السلام العالمي فحسب، بل تهدد الوجود البشري؟ بعد الحرب العالمية الثانية، قدمت الولايات المتحدة الأميركية، مساعدات هائلة لأوروبا عبر مشروع مارشال، الذي حقق نهضة أوروبية شاملة في جميع المجالات. لا ننكر أن هناك عوائق عديدة اليوم، لإطلاق مشروع مماثل على مستوى العالم، لكن يبقى الأمل في أن يفيق الذين ينفقون التريليونات على السلاح، وأن يخصصوا جزءاً منها للتنمية والنهوض في البلدان المحتاجة. التنمية والتطور والتقدم والعلم، هي قوة السلم الحقيقية.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم يتلكَّأ في إعادة رسم خرائطه عالم يتلكَّأ في إعادة رسم خرائطه



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib