الشَرْخُ الأوسط المتفجر

الشَرْخُ الأوسط المتفجر

المغرب اليوم -

الشَرْخُ الأوسط المتفجر

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

أسماء سياسية أطلقت في الحقبة الاستعمارية، على مناطق جغرافية مختلفة من العالم. الشرق الأقصى والأوسط والأدنى، عناوين كُتبت على خريطة جزء من قارة آسيا. مع الصراعات العسكرية والسياسية التي عاشتها المنطقة العربية، صار تعبير الشرق الأوسط يعني الخريطة العربية كلها، على الرغم من أن منطقة شمال أفريقيا، لا علاقة لها بذلك الوصف الجغرافي.

منذ بداية الحرب العالمية الأولى، وانطلاق ما عُرف بالثورة العربية الكبرى، وانهيار الإمبراطورية العثمانية، وإعلان وعد بلفور البريطاني، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، استوطن العنف الدموي في المنطقة التي حملت على أرضها اسم الشرق الأوسط، حتى رسخ في العقل السياسي والإعلامي العالمي، أن هذا الاسم يعني الصراع والقتل والدم المزمن. منذ الحرب التي اشتعلت بين العرب واليهود، سنة 1948 بعد إعلان قيام دولة إسرائيل، وبعدها حرب السويس 1956 وحرب يونيو (حزيران) 1967 وحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، صارت المنطقة كلها بطوناً تلد الحروب ولا شيئاً غيرها. الانقلابات العسكرية التي استولت على كراسي الحكم، في بعض الدول العربية، جعلت من شعار تحرير فلسطين فزاعة وقدَّاحة، وغابت مشاريع التنمية والتطوير. التعنت الإسرائيلي وانتهاج سياسة الحروب والتوسع، ورفض الحلول السياسية السلمية للقضية الفلسطينية، حولت الجرح الفلسطيني غرغارينا مزمنة، أعجزت المطببين الإقليميين والدوليين. تحول ما سُمي الشرق الأوسط، شَرْخاً واسعاً وعميقاً، ينزُّ الدم بلا توقف ويراكم الضحايا. حروب بين دول وحروب أهلية، وصراعات عرقية وطائفية وعنف تؤججه آيديولوجيات دينية متشددة. حرب طويلة دموية بين إيران والعراق، ثم غزو عراق صدام حسين دولة الكويت، الذي انتهى باحتلاله بقوات أميركية. هجوم «القاعدة» على الولايات المتحدة الأميركية، وحرب أفغانستان، والحرب الأهلية الطويلة في لبنان نزيف في برزخ الشرخ. في السودان الذي حباه الله ثروةَ الماء والخصب والموقع، استوطن القتل والدم. بعد حرب طويلة انفصل الشمال عن الجنوب، وحكم الوهم الإسلاموي العنيف الشمال، بعد انقلاب عسكري «إخواني» قاده حسن الترابي. انطلقت مبادرات لحل القضية الفلسطينية، والتحرك في اتجاه السلام مع إسرائيل، وكانت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ثم مع الأردن، كانت بداية واعدة رغم ما غشاها وما تلاها من تعقيد وتصعيد. التنظيمات المتطرفة المسلحة، قفزت إلى صدارة المشهد، وهددت السلام والاستقرار، وأربكت الأنظمة الرسمية، وصار العنف الدموي عقيدة لها مريدون عابرون للحدود. «القاعدة» و«داعش» وما تفرع عنهما من فرق للإرهاب، فرضت واقعاً دامياً مضافاً إلى ما استوطن في المنطقة، من صراع وشروخ متفجرة دموية. حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزة، حطب ضخم على نار الصراع العربي - الإسرائيلي، لا نعلم حجم وحدود ناره، التي ستشعله في عمق الشرخ الدموي.

الحروب الأهلية التي تغرس أنيابها في جسد المنطقة، تفكك ما كان من هويات هشة، ويلوح خلف ألسنة نيرانها، صواعق تنذر بقادم مخيف. في ليبيا، واليمن، والعراق، وسوريا، والسودان ولبنان، لا يستيقظ الفجر المبشر بضوء السلام والاستقرار والنهوض، وينشر شفق الدم غلالته على آفاق أحلام السلام والنهوض والنمو. هل نقول لقد اتسع الخرق على الراتق، وإن يقظة العقل لم يقترب صباحها بعد؟ على الرغم من الغيبوبة الطويلة، التي استمرأها الجاهلون، تبقى قوة العقل كامنة في حشاشة الحياة، وذلك ما تؤكده تجارب الشعوب في مناكب الدنيا. لقد عاشت بلدان في آسيا وأميركا اللاتينية، سنوات طويلة من الحروب وأصبحت اليوم نموراً اقتصادية وعلمية، ترفل في الرفاهية والسلام، بعدما شُفيت من وباء الآيديولوجيات والقهر الديكتاتوري.

هذه المنطقة التي أسمتها السياسة الشرق الأوسط، بعد سنين طويلة من الاحتلال والفقر والجهل، نالت بلدانها الاستقلال، وقد وهبها الله موقعاً جغرافياً ذهبياً، وثروات متنوعة هائلة، ومنها انطلقت الأديان السماوية، كيف غبشت عيونها، ووهنت عقولها وغرقت في شرخ القتال والدمار والحروب الطويلة!

أمم في قارتي أوروبا وآسيا لا تمتلك، ربع أو حتى ثمن ما فوق أرضنا وتحتها، صعدت درجات عالية من التقدم والسلام الاجتماعي والرفاهية، وصار للإنسان فيها حقوق مقدسة، لا يجرؤ حاكم على المساس بها. العقل كان الثروة التي صنعت معجزات التقدم والنهضة والسلام، ولا يتوقف العقل فيها عن قدح قدراته المنتجة للقيم الحضارية العظيمة. الحرية وسيادة القانون وقاعدة المواطنة والمساواة، صنعت خريطة الحياة التي لم نمتلك نحن أوراقها وأقلامها، لنرسم بها مسار دنيانا الجديدة. قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

يا ربِّ هبّتْ شعوبُ من منيتها

واستيقظت أممُ من رقدةِ العدمِ

والطف لأجل رسول العالمين بنا

ولا تزد قومه خسفا ولا تسمِ

في ربقة الظلام الدموي، في قاع الشرخ الملتهب، يصبح نسيم التفاؤل شحيحاً، ونلجأ إلى دعاء أمير الشعراء أحمد شوقي، بعد جرس الحكمة الذي قرعه مبكراً ملك الشعراء أبو الطيب المتنبي، ولم يحرك عقلنا الغائب:

ولم أرَ في عيوبِ الناسِ شيئاً

كنقص القادرين على التمامِ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشَرْخُ الأوسط المتفجر الشَرْخُ الأوسط المتفجر



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib