أوروبا أمام مرآتها المتحركة

أوروبا أمام مرآتها المتحركة

المغرب اليوم -

أوروبا أمام مرآتها المتحركة

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

عاشت القارة الأوروبية أسبوعاً هزَّها، وشدَّ العالمَ إلى صخب عواصمها. انتخابات البرلمان الأوروبي أطلقت أضواءً مختلفة، كان أبرزها وألمعها، الأحمر والأصفر.

تقدم بارز لما يسمى اليمين المتطرف في بعض الدول.

كانت نتائج هذه الانتخابات مؤشراً سياسياً، أكثر مما هي حقيقة عاملة، ستغير التكوين السياسي في دول الاتحاد الأوروبي. لم يحقق اليمين المتطرف نتائج كبيرة عاصفة، تدعو إلى الرعب من القادم السياسي داخل دول منظومة الاتحاد الأوروبي. صلاحيات البرلمان الأوروبي ليس لها قوة عاملة داخل دول الاتحاد، سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي. المفوضية الأوروبية لا تمثل جهازاً تنفيذياً يمتلك القرار الملزم في الشؤون الداخلية الحياتية للدول. نتائج الانتخابات اعتبرتها القوى السياسية، مؤشراً يكشف عن المزاج السياسي للمواطن الأوروبي بمختلف تياراته من اليسار إلى اليمين. هنا تكمن عوامل الارتياح والانزعاج. في كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، جرت قراءة النتائج في ضوء، تحرك مؤشر القوى المتنافسة على كراسي الحكم. كانت ردود الفعل مختلفة من دولة إلى أخرى. فرنسا كانت الأعلى صوتاً في صرخات الانفعال السياسي على نتائج الانتخابات. الرئيس إيمانويل ماكرون أعلن بُعيد ظهور النتائج الأولى، حل الجمعية الوطنية، والدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة. ما قام به الرئيس ماكرون، كان توظيفاً سياسياً لما حدث، وذلك لسببين. الأول أن ماكرون كان يفكر ويناقش مع أعوانه منذ أشهر، فكرة حل الجمعية الوطنية، والدعوة إلى انتخابات مبكرة، لوضع حزب اليمين في حلبة المعترك التنفيذي المباشر، السبب الآخر هو أن النظام الفرنسي، يختلف عن الأنظمة السياسية في أغلب دول الاتحاد الأوروبي، التي تتبنَّى النظام البرلماني، في حين يقوم الحكم في فرنسا على النظام الرئاسي، وفي حالة حصول المعارضة على الأغلبية في البرلمان، تشارك الرئيس في الحكم. الرئيس ماكرون أراد أن يستثمر نتائج الانتخابات الأوروبية في فرنسا، التي تقدم فيها اليمين الذي يوصف بالمتطرف، أراد أن يستثمر الصدمة التي شعر بها قطاع كبير من الفرنسيين، الذين تظاهروا رفضاً لتقدم اليمين. في دول أخرى مثل ألمانيا وإيطاليا، لم تحدِث نتائج الانتخابات صدمة أو حتى هزّة فارقة. في إيطاليا مثلاً حقق حزب إخوة إيطاليا، الذي تتزعمه رئيسة الحكومة جوليا ميلوني نجاحاً كبيراً، في حين حقق حليفها حزب فورزا إيطاليا تقدماً طفيفاً، أمَّا الضلع الثالث في الائتلاف الحكومي، رابطة الشمال فلم يكن له نصيب يضاف إليه، كجناح يميني أقرب إلى التطرف. في ألمانيا لم تقرع النتائج طبول التوجّس من قوة تقدم اليمين. أوروبا قارة المخاض السياسي والفكري والاقتصادي والعلمي على مدى العقود الماضية. أبدعت وصنعت واستعمرت وتحاربت. ازدهر فيها العلم والفكر والصناعة والعنف والحروب. التداول على السلطة من حقائق الواقع، كما هو تحرك الفصول في مسار السنوات. برزت أحزاب حكمت لسنوات طويلة أو قصيرة، ثم رحلت وجاء غيرها إلى سدة الحكم. تعددت الأحزاب وتجددت وتغيرت. في بريطانيا والولايات المتحدة، هناك حزبان كبيران يتبادلان الحكم، ولا تتشكل حكومات ائتلافية من أحزاب مختلفة، في أوروبا، يختلف الوضع. هناك حقائق جديدة تعيشها القارة الأوروبية اليوم. أزمة اقتصادية فاقمها التضخم، وانعكاسات الحرب الروسية على أوكرانيا، وكذلك مشكلة المهاجرين من شرق القارة، ومن أفريقيا وآسيا. كلها تساهم في تشكيل المزاج الانتخابي. الانتماء الوطني في بعض الدول، والعزوف عن الاندماج في تكوين قاري أوسع، يبقى كامناً في النفوس رغم ما يحققه الاندماج الكونفدرالي من مصالح وتسهيلات للمواطن في دول الاتحاد الأوروبي. كل ذلك يحرّك الناخب نحو الهوية الوطنية التي يكرّسها اليمين في خطابه. الحرب الروسية في أوكرانيا، والدعم المالي والعسكري الأوروبي لأوكرانيا، صارت قضية محلية في دول الاتحاد، حيث يشعر المواطن أن ذلك الدعم السخي، سيطول وسيدفع هو الثمن، وأن روسيا لا يمكن أن تجنح إلى تسوية سياسية، وتنسحب من الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا، وبدأ الحديث في أوساط اليمين الأوروبي عن ضرورة إقناع أوكرانيا بالقبول بالواقع، والتخلي عن بعض أراضيها المحتلة. قضية المهاجرين غير النظاميين، تحولت ناقوساً اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، يرتفع صوت ضرباته دون توقف. هناك تخوف من تغيير ديموغرافي حقيقي على المديين المتوسط والطويل.

على كل حال، فالانتخابات البرلمانية القادمة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، هي التي سترسم خريطة القادم، في داخل دول الاتحاد. فزَّاعة الخوف من عودة الفاشية والنازية والأنظمة الديكتاتورية إلى أوروبا، أقرب إلى الوهم. فالديمقراطية تجذرت وصارت من المقدسات التي لا تقبل النقاش، وصناديق الاقتراع هي المعمل الوحيد الذي يصنع مديري الدولة. هناك ثوابت راسخة لها جذور عميقة وقوية في العقول، وفي منظومات التفكير. نتائج هذه الانتخابات الأوروبية، لا تتعدى كونها بعض صرخات احتجاج، ستخفت بعد قليل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا أمام مرآتها المتحركة أوروبا أمام مرآتها المتحركة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 01:02 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر
المغرب اليوم - زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib