الصدرُ والقبرُ
دونالد ترامب يأمر بتحرير لوس أنجلوس من غزو المهاجرين على خلفية احتجاجات واسعة اندلعت بسبب عمليات ترحيل إسرائيل تدعو إلى سحب قوات الأمم المتحدة اليونيفيل مع الدولة اللبنانية جيش الاحتلال الإسرائيلي يُهاجم سفينة الحرية المحملة بمساعدات إنسانية أثناء اقترابها من شواطئ قطاع غزة المنتخب البرتغالي يُتوج بلقب دوري الأمم الأوروبية لكرة القدم للمرة الثانية في تاريخه نادي بريشيا الإيطالي لكرة القدم يتجه لإعلان إفلاسه بعد نحو 114 سنة على تأسيسه نفاد تذاكر المباراة الودية بين المغرب والبنين التي ستجري مساء الإثنين بفاس واتساب يختبر أداة جديدة تتيح للمستخدمين إنشاء روبوتات دردشة مقتل امرأة برصاص الشرطة الألمانية بعد طعنها شخصين في ميونخ وزارة الصحة الفلسطينية تعلن توقف 23 مستشفى عن العمل في غزة بسبب اعتداءات الاحتلال وزارة الصحة الفلسطينية تعلن ارتفاع عدد الشهداء منذ فجر اليوم الأحد إلى 21 في غارات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة
أخر الأخبار

الصدرُ والقبرُ

المغرب اليوم -

الصدرُ والقبرُ

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

ونحن أناسُ لا توسط عندنا
لنا الصدر دون العالمينَ أو القبرُ
أبو فراس الحمداني، الفارس المقاتل والشاعر الفحل، ولد وعاش في زمن عربي فيه الكثير من القلق، ولم يغب عنه حلم العظمة والكبرياء. في بلاط ابن عمه سيف الدولة الحمداني الذي حكم حلب، وأقام مجالاً سلطوياً له بحد السيف، وخاض حروباً مع الروم حقق فيها انتصارات كبيرة. كان نخبوياً بارزاً، فجمع في حاشيته الشعراء والنحويين، وأسس لمرحلة عربية نوعية. الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي، وسيف الدولة الحمداني، كانا هناك يتدفقان شعراً، ويخوضان المعارك مع قائدهم الذي نافح عن مجاله العربي أرضاً وهوية وأدباً. وبسط يديه لمن حوله. أبو فراس الحمداني عندما قال: (ونحن أناس)، قصد العرب جميعاً، ولم يعنِ بذلك من هم حول سيف الدولة الحمداني، أو العشيرة الحمدانية فقط. لماذا نذهب إلى ذلك؟ لأن الفارس الشاعر وقبله ابن عمه وقائده سيف الدولة ومن معه، كانوا يواجهون الرومان كعدو له هويته التي تمثل الآخر في كل شيء. أبو فراس لم يقف عند الآخر الروماني فحسب، بل وضع كل من فوق الأرض في دائرة لا تطاول (النحن) الذي يمثله الشاعر والفارس العربي الحمداني. قال: لنا الصدر دون العالمين. كلمة (العالمين) في اللغة العربية حمَّلها اللغويون والمفسرون أثقالاً كلامية ودينية مختلفة. ولكن ماذا عن الصدر؟
لقد قصد الشاعر الفارس ابن عم الحاكم المقاتل قاهر الأعداء؛ قصد التفوق المطلق على غير العرب. لا يقبل الوسطية في أي شيء. يحتكرون وحدهم كل سلالم العظمة. لكن هذا المكان الذي يعتليه الكبار، وهو الصدر له ثمن غال يقابله، وهو القبر أي الموت. وضع الشاعر قوسين على أطراف هويته المتعالية: الصدر والقبر.
أبو فراس الحمداني الفارس المقاتل والشاعر المعتز بكل ما به، ألقمته الحياة أمكنة وحالات، رأى فيها عالمين آخرين، وعاش ما دون التوسط الذي رفضه يوماً. فارسنا وهو في الأسْر صار حكيماً آخر. تعلق بحبل الكبرياء والجلد، لكن الإنسان هو الإنسان، بغض النظر عن هويته وعرقه ومعتقده. فيه كل مكامن القوة والضعف، والخير والشر وغيرها. ظروف الحياة وفعلها هما ما يحدد مكان كل واحد. في قفص الأسر صار أبو فراس واحداً من العالمين. لا صدر ولا أمر. قال :
أراك عصي الدمع شيمتك الصبرُ
أما للهوى نهي عليك ولا أمرُ
قال الشاعر قصيدته هذه التي استهلها بهذا البيت الغزلي على عادة الشعراء العرب القدامى، وهو أسير عند الروم. لكنه هنا غير ذلك الشاعر الفحل المقاتل الذي ينتمي إلى قوم لا يقبلون إلا بالصدارة. توسل كثيراً إلى ابن عمه الحاكم أن يفتديه ويحرره من قبضة الروم.
لم يجد صاحب الصدر مكاناً وسطاً، لا لأنه يرفضه، ولكنه خارج دائرة الاختيار، فهو بلا صدر ولا وسط. في جوف أسره صار يناجي حمامة، ويتوسل إليها أن تأتيه ليقاسمها همومه. نعم هناك في الحياة مضارب أخرى، وأماكن غير الصدر وغير القبر. هناك القصر والشارع والسجن، والغنى والفقر، والقوة والضعف، والصدر والقبر، والعلم والجهل، وغيرها.
قد يكون التوسط حلماً بعيداً لا يطاله فارس أسير حتى في خيال شعره.
شعراء عرب خاضوا معارك الحياة. قاتلوا فانتصروا وهزموا. عاشوا بين الرفاهية والحاجة، وتنقلوا في رحاب الأرض والحياة. نضحت أشعار الكثيرين منهم فلسفة وحكمة خالدة. ارتفعت أصوات العلو والترفع والفخر، لكن مطرقة التدافع الإنساني العنيف كانت هي الأقوى دائماً.
الشاعر الفحل الفارس المقاتل رفيق أبي فراس الحمداني وغريمه في حاشية سيف الدولة الحمداني، أبو الطيب المتنبي كان ابن ذات المرحلة والبيئة التي تحركت بين الانتصارات والانكسارات، قال:
وإني لمن قومٍ كأن نفوسَهم
بها أَنَفٌ أن تسكنَ اللحمَ والعظما
كذا أنا يا دنيا فإن شئتِ فاذهبي
ويا نفس زيدي في كرائهها قُدْما
فلا عبرتْ بي ساعةٌ لا تُعِزُّني
ولا صَحِبَتْنِي مهجةٌ تقبلُ الظُّلْمَا
شاعرنا الكبير عاش مثل رفيقه أبي فراس، السجن بتهمة ادعاء النبوة، وطوى الفيافي، يدفعه حلم لم يفارقه، وهو أن يكون ممسكاً بمقود صدر سياسي ومالي، لكنه فرَّ من خيمة سيف الدولة غاضباً محبطاً إلى سرادق كافور الإخشيدي طامعاً مادحاً، وغادر مصر هارباً خائفاً.
أما أولهم القديم عمرو بن كلثوم التغلبي الذي قال:
إذا بلغ الفطامَ لنا رضيعُ
تخر له الجبابر ساجدينا
فقد حلّق إلى ما فوق الصدر. الجبابرة يخرون ساجدين لرضيع من قومه. لا قوة للرضيع الذي يحبو سوى أنه ينتمي إلى عشيرة ترهب الجبابرة. فما بالك بمن بلغ سن الرشد حاملاً سيفه ودرعه من تلك العشيرة؟ !
ذاك ما كان عن الصدور التي لا تقبل التوسط، والنفوس التي بها أنف أن تسكن اللحما والعظما، والرضيع الذي تخر له الجبابرة خاضعين ساجدين. فماذا عن القبر؟
أبو فراس الحمداني الذي أعلن أنه لا يقبل التوسط. إما أن يكون مع من هم في الصدر وإما في القبر. انتقل من الأسر إلى القبر. قتل وعمره سبع وثلاثون سنة، في معركة مع أبي المعالي، وهو ابن أخته في صراع على تولي حكم إمارة مدينة حمص. صار إلى القبر بلا روح أو صدر.
أما أبو الطيب المتنبي، الذي قال بأنه من قوم كأن نفوسهم بها أنف أن تسكن اللحما والعظما، فقد سكنت نفسه وأنفها في قبر دفعه إليه مقتولاً عصابة من الصعاليك.
ذلك الزمن بما فيه من صدور وقبور، اندفع بقوة من لحد قديم، وصرخ شاخصاً في زمننا القريب، في شعارات وأغانٍ وأشعار قالت:
فلسطين تحميك منا الصدور
فإما الحياة وإما الردى
ولبيك يا علم العروبة
كلنا نفدي الحمى
لبيك واجعل من جماجمنا
لعزك سلما
لبيك إن عطش اللواء
سكب الشباب له الدماء
غاب التوسط، وهو المكان الذي يصنعه العقل، بالعلم والإبداع والإنتاج والحرية. فتهشم الصدر وسادت الهزيمة والتخلف، واتسع القبر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصدرُ والقبرُ الصدرُ والقبرُ



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib