الفرق بين المقاومة والمغامرة

الفرق بين المقاومة والمغامرة

المغرب اليوم -

الفرق بين المقاومة والمغامرة

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

عند قراءة خطب الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله نجد في معظمها الحديث عن أن سلاح المقاومة هو من أجل تأمين «أهلنا في الجنوب»، من بين الكثير من الحجج التي قُدمت في تلك الخطب، وعلى أرض الواقع نرى «أهلنا في الجنوب» اليوم وهم يتدفقون نازحين إلى حيث لا يدرون، فضلاً عن تصفيات قيادات الحزب، وبعضها مستغرب؛ إذ كانوا في حصن حصين!

لقد ثبت من المعركة الدائرة اليوم في كل من غزة ولبنان، أن النظام الإيراني يخسر آخر طلقاته، وكان واضحاً أن استنبات «الميليشيات» في كل من لبنان واليمن والعراق، وعزل بقية القوى الفلسطينية واحتضان «حماس»، ما هي إلا أدوات، وقد سمعنا تكراراً أن إنشاء الميليشيات في ديار العرب هو من أجل ألا تحارب إيران على أرضها! وقد اختارت بشيء من الفطنة أن تعلق كلمة «فلسطين وتحريرها» كعنوان، وانتهينا باستنزاف دماء هائل في غزة، ونزوح في لبنان، ومغامرة بأرواح الناس.

هل نعود إلى بعض التاريخ لنعرف كم نخسر لأننا لا نقرأ ولا نتعلم من تجاربنا؟

في عام 1990 نشر أستاذ الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت المرحوم الدكتور فؤاد إسحق الخوري كتيباً صغيراً بعنوان: «العسكر والحكم في البلاد العربية»، كتاب فيه من الملاحظات الذكية ما يتوجب العودة إليه ونحن في خضم هذا المشهد الصراعي المميت، في كل من غزة ولبنان. مع شيء من الخيال يمكن بكل أريحية تعميم ما وصل إليه من نتائج من دراسته حول العسكرية العربية، وهو يتابع نتائج الحروب بين إسرائيل وبعض الدول العربية ذات الحكم العسكري، وتنزيل تلك الأفكار على الميليشيات المقاتلة اليوم، فسوف نجد نتائج شبه متطابقة.

الكتيب يستعرض تاريخ نشأة الجيوش العربية، وخلفية منتسبيها الاجتماعية، وهو دراسة سوسيولوجية لافتة تستحق التأمل.

ما يعني القارئ اليوم في ذلك الكتيب هو الأفكار الحاكمة التي تطرق إليها الكاتب، وهي في تقديري فكرتان مركزيتان؛ الأولى السلاح المستخدم للجيوش المحاربة، والثانية مفهوم الانتصار وكيف يُقدَّم للعامة.

الفكرة المركزية الأولى يرى الخوري أن «الجيش العربي أول قطاع في الدولة العربية الحديثة يستخدم التقنية الحديثة، لكن تلك التقنية جلها مستورد، وليست هناك علاقة بين استيراد السلاح الحديث من الخارج، وبين مستوى التقنية بشكل عام في المجتمع؛ أي تأهيل البشر لاستخدامه بفاعلية»، ويضيف أن «استيراد السلاح مهما كان حديثاً وفعالاً، لا يعني امتلاك التقنية الحربية في البلد المستورد. التقنية فعل إنتاج، وفعل ثقافة حديثة قائمة على العلم، أما الاستيراد فهو فعل ارتهان. إنتاج السلاح سيادة، واستيراد السلاح ارتهان للغير». هذه الفكرة المركزية ثبتت صحتها على الأرض يومَي الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع الماضي، عندما تفجرت في شوارع ومنازل وأسواق بيروت أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكي في أجسام البشر، آخذة معها بعض الأرواح والأطراف والعيون! الفرق الزمني بين الفكرة التي جاء بها الخوري وتفجيرات الأسبوع الماضي في بيروت، هو فقط أربعة وثلاثون عاماً من الزمن الذي بُدّد، والغفلة المستمرة، وإبدال الميليشيات بالجيوش، وإشباع الناس بالشعوذة السياسية.

الفكرة المركزية الثانية يرى الخوري كيف يُسوَّق «مفهوم النصر والهزيمة»، فيرى مما درس من نتائج الحروب مع إسرائيل السابقة لعام 1990، أن «الجيوش العربية التي خاضت الحروب قد كُتب لها النصر، من وجهة نظر قادتها، حتى لو خسرت الأرض بعد المعركة»! ويضيف: «ما دام الجيش باقياً، والنظام قائماً، فعلى الشعب أن يطمئن»! وإن استبدلنا بالجيش هنا الميليشيات، لكان الحكم صحيحاً أيضاً، فما دامت قيادة الميليشيات قائمة، فإن الأرض والبشر الذين قُتلوا ليسوا مكمن إزعاج لأحد!

إذا قرأنا النص السابق في ضوء ما يحدث في كل من غزة ولبنان، نرى تقريباً النتيجة ذاتها، المهم أن يبقى زعماء الميليشيات، وهم الذين يمثلون «الصمود» حتى لو سُوِّيت الأرض ومَن عليها، وخسر عشرات الآلاف أرواحهم، كما ذهبت الأرض إلى احتلال جديد، وشُتِّت الناس من ديارهم! فكرة الصمود هنا منحرفة عن مقاصدها، ليس لدى قادة الميليشيات، ولكن مع الأسف لدى قاعدة عريضة من البشر، والذين «يؤمنون» أن بقاء «قيادة الميليشيا» بحد ذاته «انتصار على العدو»، حتى لو فُقدت الأرض.

لا أحد يبيعك السلاح التقني الحديث، ما تشتريه هو الجيل الثالث أو ربما الثاني من التقنية العسكرية؛ الأولى يحافظ عليها؛ فهي من «أسرار الدولة». حتى في الصراع بين الغرب والشرق الدائر اليوم في أوكرانيا، ما يتوفر للأوكرانيين، رغم كل ما يغمرنا الإعلام من نيات مساعدتهم، هو تقنية عسكرية من الدرجة الثانية، فكيف إن كنت تشتري التقنية من السوق المفتوحة!

آخر الكلام: الناقص في فضائنا اليوم هو العلم بقدراتنا الذاتية، والعلم بقدرات الخصم، وهما مصدر كل ما نشاهد من مآسٍ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفرق بين المقاومة والمغامرة الفرق بين المقاومة والمغامرة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib