التنصيب وما بعده

التنصيب وما بعده!

المغرب اليوم -

التنصيب وما بعده

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

ربما أكثر أحداث العالم هذا الأسبوع لفتاً للأنظار، هو تنصيب السيد دونالد ترمب، الاثنين الماضي. بدأ الحدث وكأنه «حالة تتويج» لملك لا لرئيس جمهورية محدود المدة في السلطة! ربما هو بشخصيته، غير التقليدية، أراد أن يكون الاحتفال كذلك، وتدفقت كثير من التحليلات التلفزيونية والمكتوبة، انقسمت بين فرح غامر وتشاؤم ظاهر، وكلا التفسيرين له شيء من الصحة، إلا أن المتفق عليه بشكل عام أن على العالم أن يتوقع اللامتوقع في سياسة أميركا الداخلية والخارجية في المستقبل، كما عليه ألا يستهين بذكاء القادم الجديد إلى البيت الأبيض.

يأتي ترمب «الثاني» كما أتى «الأول»، تحت شعار كبير هو «لنجعل أميركا عظيمة... مرة أخرى» الكلمة المفتاح هي «مرة أخرى»، أي أن الضمير السياسي الأميركي ومخيلة السيد ترمب يريان أن «أميركا كانت عظيمة في وقت مضى... ولنجعلها مرة أخرى عظيمة». هذا القول يتناقض كلياً مع المعلن والمتخذ من سياسات. كانت أميركا عظيمة لسببين رئيسيين، (وهما من أهم أسباب عظمتها في السابق) أي بعد الحرب العالمية الأولى، وخصوصاً الحرب العالمية الثانية، كانت مرتكزة، أولاً على توافق وجبهة داخلية واسعة وصلبة، وثانياً تحالف خارجي كبير. سياسات ترمب يبدو أنها تضرب السببين الرئيسيين في مقتل، الأول أن هناك انقساماً داخلياً عمودياً حاداً ومُشاهَداً في مظاهر كثيرة، زاده اتخاذ مجموعة من القرارات التي تتصف بـ«شهوة ثأرية»، أكثر منها قانونية، مما يزيد من عمق الانقسام الداخلي، كما استمر الرئيس المنتخب بتقريع شخوص الإدارة السابقة بشكل شخصي، وحتى بعيداً عن اللياقات.

أما العامل الثاني، فهو شبه ازدراء، بل تهديد للحلفاء سواء القريبين مثل كندا والمكسيك، أو الدول الأوروبية بشكل عام، في مطالبات بالضم أو رفع الضريبة الجمركية على منتجاتهم، من بين أمور أخرى، استراتيجيته، ربما هي رفع السقف لأخذ أفضل النتائج في التفاوض.

إذا ما جعل أميركا في السابق عظيمة يُهدَم بشكل منظم: لا توافق واسعاً داخلياً، ولا حلفاء مضمومين في الخارج، وأيضاً قصور في الفهم الأوسع لميكانيزمات الاقتصاد العالمي، واشتباكه بثورة الذكاء الاصطناعي الهائلة، فأين هي العظمة المرتجاة؟!

يرى كثيرون أن الرجل استثنائي بشكل ما، فقبل أيام من تنصيبه رفع سقف المطالب. تحدَّث علناً عن ضم كندا (وهي جغرافياً أكبر من الولايات المتحدة في المساحة) كولاية حادية وخمسين، وأيضاً إعادة قناة بنما، بل وفوق ذلك ضم غرينلاند، المقاطعة ذات الحكم الذاتي والتابعة لمملكة الدنمارك، كما اقترح تغيير اسم «خليج المكسيك» إلى «خليج أميركا»، وقد فعل الأمر الأخير على الورق في اليوم الأول!

نعود إلى «أميركا عظيمة مرة أخرى»، فمنذ فترة، خصوصاً بعد الأزمة المالية التي ضربت الاقتصادَين الأميركي والدولي، وموضوع قوة أميركا السياسية في العام موضع نقاش واسع بين المهتمين والمعلقين في الداخل الأميركي وخارجه. كان البعض يميل إلى القول إن التنافس بين الاقتصادات الجديدة، خصوصاً الصين والولايات المتحدة، سوف ينتهي إلى تفوق الصين وحلفائها في الاقتصاد العالمي، وبالتالي سوف تفقد أميركا مكانتها في العالم.

وكان السؤال المطروح من هذا الجانب هو الآتي: (في رأيه) أن ثمة تناقضاً جوهرياً في السياسة الخارجية الأميركية، فهل تريد أن تدفع بمصالحها الخاصة في الخارج، أم تريد أن تبشر بمجموعة من القواعد والعادات والقيم ليلتزم بها العالم؟ وبالتالي تحقق ربحاً أفضل لها ولمعسكرها؟

كانت هذه الشريحة من المراقبين ترى أن الهدف الثاني يتغلب على الأول، أي التبشير بالمبادئ، من أجل تحقيق الهدف الأول بشكل أفضل! أما ما يتكشف حتى الآن، فهو أن الهدف الثاني هو الذي يتبناه السيد ترمب في الغالب، والذي سوف يسود ربما في السنوات الأربع المقبلة، وهذا ما يحير العالم، لأنه ببساطة يعزل أميركا عن أقرب حلفائها، وأيضاً عن أسواقها الاقتصادية، وتنسحب من مؤسسات دولية مهمة، وتترك فراغاً، لا شك، سوف يملأه آخرون من القوى الجديدة.

أما الشريحة الأخرى، فترى أن قدرة أميركا الاقتصادية والعسكرية، خصوصاً الإنتاج المتعلق بالقوة الناعمة (البرمجيات والذكاء الاصطناعي) ستظل قائمة لفترة من الزمن ولن يجاريها فيها أحد في المستقبل القريب والمتوسط، فمن الأفضل أن تقف معادياً لها!

السؤال: هل نحن على مشارف أن تعود أميركا قائدة لعالم جديد حر، أم تتقوقع على نفسها تحت شعارات شعوبية تتيح للقوى الأخرى التوسع على المسرح العالمي؟ ذلك ما سوف تظهره الأشهر القليلة المقبلة! إنها أيام محفوفة بالمخاطر!

آخر الكلام: في كثير من السياسات هناك ما تُعرَف بـ«النتائج غير المتوقعة»، والتي عادة ما ينتج عنها عكس ما أُريد منها!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التنصيب وما بعده التنصيب وما بعده



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 01:02 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر
المغرب اليوم - زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib