«كاميرون» وغزة وترشيد الخيال

«كاميرون» وغزة وترشيد الخيال

المغرب اليوم -

«كاميرون» وغزة وترشيد الخيال

أمينة خيري
بقلم - أمينة خيري

ما إن تم نشر خبر تعيين رئيس وزراء بريطانيا السابق ديفيد كاميرون وزيراً للخارجية فى بريطانيا خلفاً للوزيرة المثيرة للجدل والغضب سويلا بريفرمان، حتى هرعنا نبحث عن مواقف الرجل تجاه فلسطين وإسرائيل والمنطقة العربية.

أغلبنا يعتقد أنه حين يأتى وزير أو رئيس فى دولة ما «يحب» العرب أو يتعاطف مع القضية أو يعشق احتساء القهوة العربية، فإنه حتماً سيدعم العرب على حساب إسرائيل، وينتصر للقضية الفلسطينية.

ميول الأفراد فى الوزارات أو القصور الرئاسية فى الدول الكبرى لا يصنع الفروق الجوهرية التى نعتقدها، بل إن ما يصنع الفارق هو مؤسسات الدولة ومصالحها، ومصالح عوالم المال والأعمال، و«تربيطات» وتوازنات القوى ما ظهر منها وما بطن وغيرها من العوامل التاريخية والدينية، بالإضافة إلى خطاب إعلامى وثقافى يعرف كيف يؤثر فى الرأى العام الغربى بلغته الثقافية.

ويحضرنى هنا اعتقاد البعض قبل سنوات بأن إطلالة الرئيس الأمريكى السابق المحنك سياسياً والحاذق تكتيكياً باراك أوباما عبر خطابه، والكلمات التى تم استخدامها بدقة لدغدغة مشاعر المسلمين. «إننى فخور بنقل أطيب مشاعر الشعب الأمريكى لكم مقرونة بتحية السلام.. السلام عليكم».

من منا ينسى مشاعر البهجة وأسارير الانتصار واعتقاد البعض -أو رغبتهم فى الاعتقاد- أن «حسين أوباما»، رئيس أقوى دولة فى العالم، جاء يشهر إسلامه عندنا، وأن صفحة جديدة فى رفعة الإسلام والمسلمين يجرى كتابتها.

وجميعنا يعلم بقية القصة وما لحق بالمنطقة فى هذه السنوات، شأنها شأن غيرها من السنوات!

غاية القول إن هؤلاء الساسة، حتى لو كانوا يميلون يميناً أو يساراً، مقيدون وملزمون ومجبرون على السير فى نهج محدد مسبقاً، مع ترك مسافة سنتيمتر أو سنتيمترين يُظهرون فيها هواهم أو ميلهم.

ميل آخر يشغل بال الجميع، وهو الرأى العام الغربى تجاه ما يجرى فى غزة. وهنا أود أن أشير إلى أن الحق والخير والجمال والعدل والمساواة لا ينعكس جميعها بالضرورة فى التغطيات الإعلامية، مهما كانت سمعة وتاريخ المؤسسة الإعلامية مرتبطين بالحياد والموضوعية.

تحديد زاوية التصوير، وتغطية جزء من الرأى العام، واختيار الموضوعات التى يجرى تناولها جميعها فيه قدر من عدم الحياد.

على سبيل المثال لا الحصر، نتابع تظاهرات حاشدة فى العديد من دول العالم تدعم غزة وأهلها من المدنيين الجارى قتلهم ودك بيوتهم فى أغلب القنوات، لكن هناك تظاهرات داعمة لإسرائيل ومنددة بما جرى يوم 7 أكتوبر فى قنوات أخرى.

نقرأ نداءات كبار رجال ونساء الدول المطالبة بهدنة إنسانية أو تهدئة أو العمل على «تقليل» الضحايا من المدنيين، لكن أيضاً نرى بأم أعيننا أن العديد من هذه النداءات تظل نداءات لا أكثر أو أقل.

نشعر بأن هناك تغييراً فى الرأى العام الغربى الذى بات أكثر تضامناً مع غزة فى مأساتها الإنسانية غير المسبوقة، وهو التغيير الذى حدث بعد أيام من رد الفعل الإسرائيلى لعملية «طوفان الأقصى» (والذى كان بالمناسبة متوقعاً تماماً، بينما عملية حركة حماس تجرى على الأرض)، وهذا التغيير نلمسه فى لقاءات وحوارات وتحليلات على أغلب القنوات.

وهناك كذلك زيادة فى حالات الإسلاموفوبيا فى أمريكا على خلفية الحرب فى غزة، وهى الحالات المتصاعدة رغم الحرب الضروس التى تشنها إسرائيل فى القطاع، وهى حالات تعكس واقعاً لا نراه بالضرورة فى كل القنوات.

وما نطالعه من أخبار، وما يجرى فى العديد من الدول الضالعة فى حرب غزة من تحركات ومفاوضات وتحديد مصائر ورسم خطط مستقبلية وممارسة ضغوط، وما يقوله الساسة وما تطالب به المنظمات الأممية، وما تقوم به إسرائيل على أرض الواقع.

وما نتابعه من تكوين «شبكة تحالف» غير معلنة من قبل فصائل مسلحة فى عدد من الدول التى تضرب صاروخاً على تل أبيب أو توجه ضربات إلى مستوطنات فى غلاف غزة فيما يبدو أنه تضامن مع «طوفان الأقصى» يضعنا جميعاً فى حالة من القلق على الحاضر والمستقبل القريب، والغضب لهذه الآلاف من المدنيين الذين يدفعون حياتهم ثمناً للاحتلال والصراع، ناهيك عن ضبابية الصورة الحقيقية، أو فلنقل عدم دقتها.

التصور بأن الرأى العام العالمى سيخرج عن بكرة أبيه ليقلب موازين الصراع فيه مبالغة.

والاعتقاد بأن ساسة العالم، لا سيما الدول الكبرى القادرة على صناعة الفرق الحقيقى على الأرض، سيغيرون نهج مؤسسات الحكم التى يمثلونها يطغى عليه التمنى.

كل المطلوب هو قدر أوفر من الواقعية التى لا تفسد للتضامن أو الغضب أو الحلم قضية، فقط يحمينا هذا القدر من شرور الخيال والاكتفاء بالأحلام مهما كانت مشروعة.والحقيقة أن مصر ومواقفها فى هذا الشأن تستحق لقب «الأكثر واقعية وإنسانية» فى آن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«كاميرون» وغزة وترشيد الخيال «كاميرون» وغزة وترشيد الخيال



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib