استتباع المؤسسات المدنية

استتباع المؤسسات المدنية؟

المغرب اليوم -

استتباع المؤسسات المدنية

أمينة خيري
بقلم : أمينة خيري

الهروب من المشكلات بالمزيد من تديين المجتمعات ليس فقط حلًا يدمر الأعضاء والأجهزة الداخلية للجسد، بل ينقلب أول ما ينقلب على الطبيب نفسه الذى يصف هذه المسكنات، أو الطاقم الطبى الذى يجتمع على أن المسكنات من هذا النوع تسمح ببحبوحة من الوقت دون صداع للطاقم الطبى ليتدبر أمره، لكن الآثار الجانبية للعلاج خطيرة.

سيهب البعض ليسأل: ألا يكفى ما نحن فيه من مشكلات اقتصادية وتعليمية واجتماعية؟ أو وما أهمية ذلك أمام ما يحدث فى غزة؟ أو ألا يجدر بنا الاهتمام بما يحيط بمصر من مخاطر أمنية فى ظل الشرق الأوسط الجديد المتسارع؟ وبالطبع، هناك السؤال الاستنكارى المزمن: وما العيب فى المزيد من الدين؟

للمرة المليون، لا أتحدث عن المزيد من الدين، بل المزيد من إقحام الدين فى الاقتصاد والتعليم والمرور والإعلام والسيارات والثقافة والمواصلات والرياضة والصناعة والزراعة والمعاملات البنكية.. والقوس مفتوح. ما يحدث هو ضخ مسكنات قوية دون علاج للأسباب. وأخشى أنه حين يتشبع الجسد المنهك بهذه المسكنات، سيلفظها، ويبدأ فى البحث عن حلول أخرى، قد تكون مهلكة.

كتب وتقارير ودراسات نشِرت على مدار عقود حول سيطرة الدول على المؤسسات الدينية، وهى السيطرة التى تهدف عادة إلى توجيه الخطاب الدينى لصالح مؤسسات الدولة «المدنية» الحاكمة.. أو بمعنى آخر، اعتادت أنظمة فى مشارق الأرض ومغاربها «استتباع المؤسسات الدينية»، حيث تتم إدارة الدين من قبل الحكم ليخدمه، أو يساعده، أو يدعمه، إلخ. هذا «الاستتباع» قصير العمر، خطير الأثر، شديد السُّمية (من السموم)، لم يقم حضارة، وإن أقامها، لم يضمن استدامتها. فمن يستتبع اليوم، يتمرد على التبعية غدًا، أو يأتى من يستتبعه فى طريق معاكس غدًا.

الرئيس عبد الفتاح السيسى قال، وأعاد، وكرر مطالباته بتنقيح الخطاب الدينى مما لحقه من عوار، أقول «الخطاب» الدينى، أى اجتهاد البشر فى تطويع الدين واحتكار التفسير والشرح. كما عبر الرئيس عشرات المرات عن رؤيته الوسطية المنطقية المتحضرة لدور الدين. تحدث الرئيس كثيرًا عن أن المشكلة ليست فى الدين، بل فى فهم البعض له، وأن أهل الدين أنفسهم لا يشعرون بوجود مشكلة فى فهمنا للدين. وما يقوله الرئيس السيسى شديد المنطقية، وإلا لما وصلنا إلى ما نحن فيه من شيزوفرانيا شبه كاملة بين مظهرنا شديد التدين من جهة وجزء معتبر من واقعنا الاجتماعى والسلوكى والأخلاقى والفكرى والانغلاقى.

المراد ليس إزاحة الدين، وليس بالطبع إزاحة مؤسسات الدولة «المدنية».. كل المطلوب هو أن تختص المؤسسات الدينية بشؤون الدين فى حدودها دون تعدٍّ على غيرها من المؤسسات، وأن تضطلع مؤسسات الدولة المدنية بمسؤولياتها من تعليم وصحة وثقافة ورياضة وزراعة وصناعة وفضاء وإعلام وتجارة وتعاون دولى وهجرة وتخطيط وبيئة وتضامن وغيرها باستقلالية وبسبل وطرق وأدوات لا تخلط فيها إملاءات المؤسسات الدينية بالحلول والاستراتيجيات والخطط المدنية. أخشى أن تتعرض المؤسسات المدنية لاستتباع دينى هذه المرة، وليس العكس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استتباع المؤسسات المدنية استتباع المؤسسات المدنية



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib