بقلم : أمينة خيري
كثيرون من معتادى السفر يعلقون دائمًا على أكل الطائرات بأنه بالغ السوء. أسمع مثل هذا التعليق منذ كنت طفلة. واعتبرته – شأنى شأن كل الصغار الذين تتم تغذيتهم بأفكار وآراء واعتبارها حقائق لا مجال للجدال فيها – أمرًا واقعًا. ومنذ بدأت السفر بالطائرات، اكتشفت أن أكل الطائرات شأنه شأن أى أكل آخر، منه الجيد ومنه السيئ، ولكنه يظل ملجأ وملاذًا وحيدًا لملايين المسافرين فى الهواء.
وفى عملية بحث سريعة عن الحقائق المرتبطة بتجهيز وجبات الطائرات، أخبرنى بحث الذكاء الاصطناعى أن هذه الوجبات يتم تحضيرها بطرق تختلف عن الطرق المعتادة لتحضير الطعام فى المطاعم أو البيوت. يتم طهى الوجبات على الأرض، ثم تجمد سريعًا وتخزن إلى أن يتم تحميلها بسرعة شديدة على متن الطائرات فى مرحلة الاستعداد قبل الإقلاع. ويؤثر انخفاض الضغط الجوى والرطوبة على متن الطائرات على مذاق هذه الوجبات، وهو ما يؤدى إلى استخدام المزيد من الملح والتوابل أثناء إعدادها لتمويه هذا التغيير فى المذاق. كما أن الضجيج – أصوات الماكينات وضغط الهواء وغيرهما- على متن الطائرات يؤثر على المذاق، مما يسلبه النكهة.
هذا ما يقوله الذكاء الاصطناعى والذى لا يختلف كثيرًا عن الدراسات التى تم إنجازها فى هذا المجال، ولكن يضاف إليها أن ارتفاع ٣٠ ألف قدم يؤثر كثيرًا على حاستى التذوق والشم، وحيث إن النكهة هى مزيج من الإثنين، فإن كلا الحاستين تتراجع أثناء الارتفاع فى الهواء، وهو ما يؤثر سلبًا على إدراك البشر للملوحة والحلاوة.
ليس هذا فقط، ولكن ما يعتقد أغلب الناس أنه تذوق، هو فى واقع الأمر رائحة. الدراسات التى أجريت على مذاق الطعام على متن الطائرات المحلقة تشير إلى أن الإنسان يحتاج إلى مخاط الأنف من أجل الشم، ولكن فى الهواء شديد الجفاف على متن الطائرة، لا تعمل مستقبلات حاسة الشم لدى المسافرين بشكل طبيعى، وهو ما يجعل مذاق الطعام باهتًا.
على أى حال، تغيرت منظومة تناول الطعام على متن الطائرات كثيرًا فى السنوات الماضية. وبدلًا من المقارنة بين جودة ومذاق الوجبات المقدمة على خطوط الطيران المختلفة وعددها، إذ تتراوح بين وجبة واحدة ووجبات عدة، ليس فقط بحسب طول الرحلة، ولكن بحسب المنظومات التى تتبعها الشركات المختلفة، وكذلك بين درجات «البيزنس» والأولى والاقتصادية بفئاتها، أصبحت المقارنات فى السنوات الماضية بين خطوط تقدم وجبات، ولو حتى خفيفة أو تقتصر على «كيس سودانى» وفنجان قهوة، وأخرى لا تقدم وجبات من الأصل.
سافرت قبل أيام على شركة طيران اقتصادية جدًا من أمريكا إلى بريطانيا. إذا أردت أن تشرب كوب ماء، عليك أن تدفع. إذا أردت بطانية، عليك أن تشتريها. لذلك ما إن أقلعت الطائرة، حتى فتح الجميع وجباته التى جهزها للرحلة، بين وجبات منزلية وأخرى تم شراؤها من محلات الوجبات السريعة. ونحمد الله كثيرًا أن استخدام الحمام يبقى بلا رسوم.