مكلومون ومصورون

مكلومون ومصورون

المغرب اليوم -

مكلومون ومصورون

أمينة خيري
بقلم : أمينة خيري

لا أعلم سر هذا الإصرار العجيب والمقيت على اعتبار تصوير العزاءات والجنازات من الفنون الإعلامية العظيمة، أو سبقًا صحفيًا جبارًا، أو ماهية التدريب المهنى للإبداع فى هذا المجال.

فى الحقيقة، أعلم. أعلم أن الغالبية العظمى من المشهرين كاميرات «الموبايل» فى وجوه من فقدوا الأهل أو الأحباب أو الأصدقاء، أو من جاءوا ليقدموا واجب العزاء، هم ضحايا. إنهم ضحايا مهنة تعانى الكثير، ويعتقد البعض من القائمين على أمرها أن أحد حلول إبقائها حية ترزق، هو مناطحة الـ«سوشيال ميديا» المتحررة من كل القواعد والقيم والأخلاقيات، ومنافستها، ونيل جزء من كعكتها.

كعكة الإثارة، و«شاهد قبل الحذف»، و«تابع كيف تعاملت الفنانة فلانة مع الصحفيين وهى تقدم واجب العزاء»، و«شاهد فستان الفنانة علانة فى جنازة فلان»، و«شاهد كيف انفعل الفنان فلان ابن على المصورين أثناء عزاء والدته الفنانة علانة»، و«تابع كيف حضر فلان طليق علانة جنازة والدها» وغيرها من «فنون» خرق خصوصية أهل المتوفى، والتعدى على حق أهل الميت فى الحزن على فقيدهم عبر تصوير ملامحهم وشعرهم وملابسهم وأحذيتهم، والتكهن بمقدار الحزن الذى بدا على وجه هذا دون ذاك، وما يعنيه هذا من حقيقة المشاعر التى يكنها له، هى من أقبح الكعكات على الإطلاق.

 

فرق كبير بين تصوير جنازة فنان وبين تصوير فساتين من حضرن. وفرق كبير بين توثيق عزاء شخصية عامة، لا نظرة ابن الفقيد لزوجة الفقيد. هذه «الموبايلات» التى لا يفكر حاملوها مرتين قبل أن يلصقوها فى وجوه من فقدوا أحبابهم قبل ساعات، ملعونة. مرة أخرى، حاملوها ضحايا مهنة تعانى الكثير، وهم ضحايا توجيهات يرى أصحابها فى المقاطع المصورة للحظات الحزن والأسى مخرجًا آنيًا لأزمة إعلامية تأخر التعامل معها كثيرًا.

حق الصحفى أو المصور أو المراسل فى توثيق جنازة – لا عزاء- شخصية عامة يهم الناس متابعتها فى واد، واعتبار الجنازة مادة ثرية للإثارة والسخونة فى واد آخر. وما قاله نقيب الصحفيين الزميل خالد البلشى قبل أشهر من أن تصوير جنازات الشخصيات العامة حق للصحافة منذ أمد، لكن التركيز لم يكن ينصب على انتهاك خصوصية الناس، بما فى ذلك اقتحام المقابر والتصوير رغمًا عن أنف أسرة المتوفى.

يفترض أن هناك قواعد تم الاتفاق عليها لتصوير «مشاهد من مراسم» الجنازات، لكن السؤال هو: من يدرب الصحفيين على هذه القواعد؟ وما موقف الصحفى حين يجد نفسه مكلفًا بانتهاك خصوصية الموجودين؟، ومن ينتهك أكثر، يكافأ أعلى؟

تصوير الجنازات بهذا الشكل قد يحقق مشاهدات، لكنه يضيف المزيد إلى سلوكيات وأخلاقيات تفتقد أدنى درجات ومتطلبات الإنسانية. آثارها مميتة، فالصحفى المشهر «موبايله» فى وجه المكلومين باحثًا عن السقطة واللقطة يفقد إنسانيته بمرور الوقت. والمتلقون الذين يلهثون خلف صور الجنازات يعتبرون اللقطات ترفيهية بحتة. والمجتمع يزداد خلله السلوكى. أما المهنة، فتفقد المزيد من هيبتها ومكانتها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مكلومون ومصورون مكلومون ومصورون



GMT 19:38 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 19:36 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

معلقات اليمن

GMT 19:33 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

العصا الرقمية... والهشّ على الغنم

GMT 19:31 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في عشق السلاح...

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا المتحدة... وليبيا المُنقسِمة

GMT 19:23 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

GMT 19:19 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

(٢٣B) تانيت قرطاج الذهبى!

GMT 19:15 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

لماذا تخاصمنا الحداثة؟

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 01:30 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

قسد تؤكد رفضها تقسيم سوريا والتمسك باتفاق 10 مارس
المغرب اليوم - قسد تؤكد رفضها تقسيم سوريا والتمسك باتفاق 10 مارس

GMT 13:59 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

انستغرام يطلق تطبيق Reels مخصص للتليفزيون لأول مرة

GMT 14:33 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية العام فرصاً جديدة لشراكة محتملة

GMT 18:37 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتعد عن النقاش والجدال لتخطي الأمور وتجنب الأخطار

GMT 21:04 2022 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

"طائرة الزمالك" يهزم المنيا 0/3 في دوري المرتبط

GMT 11:54 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

أخر صيحات الموضة لموسمي خريف وشتاء 2024-2025

GMT 01:34 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

بلقيس فتحي تطرح أحدث أغانيها "أحاول أغير"

GMT 06:31 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب ليستر سيتي يدخل دائرة اهتمامات إدارة مانشستر يونايتد

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 04:43 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

لاند روفر تخطط لإطلاق SUV صغيرة اقتصادية التكلفة

GMT 10:40 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

الصحافة الإنجليزية تُواصل كشف فضائح قطر

GMT 08:36 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

2017 أقل من فرح وأكثر من خيبة

GMT 05:56 2015 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

أبطال مسلسل "البيوت أسرار" ينتهون من تصوير مشاهدهم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib