غزة والكوكب وهويتنا

غزة والكوكب وهويتنا

المغرب اليوم -

غزة والكوكب وهويتنا

أمينة خيري
بقلم - أمينة خيري

لا حديث يعلو حالياً على حديث «ريفيرا غزة». ولا صوت يعلو الآن على صوت ما يصدر عن الإدارة الأمريكية من خطط أو أفكار أو مشروعات أو دعوات لتفريغ غزة من محتواها البشرى، بغض النظر عن المسميات.

وباستثناء مصر بالطبع، وعدد من الدول العربية، تبدو ردود الفعل لقنابل الصوت الصادرة من واشنطن خافتة ساكنة هادئة. ردود فعل جانب كبير من دول العالم، ومنظماته ومؤسساته وجمعياته وجماعاته، أقل ما يمكن أن توصف به هو «دون المتوسط».

يمكن تفسير ذلك بطرق عدة: الأفكار الصادمة والمفاجئة الصادرة من واشنطن لم تستثن أحداً.

من قناة بنما إلى جرين لاند ومنها إلى كندا، وبالطبع الصين، و«خرزانة» الرسوم الجمركية التى يتم التلويح بها والحرب التجارية التى تلوح فى الأفق والذكاء الاصطناعى، والمواجهة الشعواء على صعيد العالم التكنولوجى والرقمى، وموافقة رئيسة المكسيك على نشر عشرة آلاف جندى مكسيكى على الحدود مع أمريكا.

والاتفاق المبدئى على استقبال السلفادور لأشخاص مدانين فى جرائم من أمريكا فى سجونها فى مقابل رسوم، وما لحق بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووقف المنح الفيدرالية والمساعدات الخارجية وغيرها، تطايرت خطط الإدارة الأمريكية الجديدة فى كل مكان، وهو ربما ما شغل الجميع، فأبطأ أو خفف أو أجل ردود الفعل التى كان يتوقع أن تكون صارمة وحاسمة وقاطعة جراء غزة.

وربما أيضاً أن متابعة غزة وأهلها فقدت جزءاً من وهجها، وهذه سمة الحروب الضروس والأحداث الجسام. ترتفع معدلات المتابعة ودرجات الانفعال واندفاعات التأييد والتعاطف، ثم تخفت بسبب طول أمد الكارثة.

وتتوالى التفسيرات التى تحاول تفسير موقف العالم تجاه ما يدبر لغزة. عموماً، تباطؤ ردود الفعل، أو خفوت حدتها أمور لا تهم كثيراً الآن.

كما لا يهم كثيراً الآن الهبد المحلى المتمثل فى توجيه رسائل شديدة اللهجة فيما بيننا إلى الإدارة الأمريكية.

بالطبع رد الفعل الشعبى بالغ الأهمية، ولكن ما يدبر لغزة، وفى قول آخر ما يدبر لمصر، يحتاج توعية ثقافية وسياسية محلية من نوع مختلف.

لماذا؟ لأن قطاعاً عريضاً منا فى حاجة ماسة إلى معرفة أبعاد المخطط، بعيداً عن العواطف. وهناك من يحتاج إلى معرفة المخطط من الأصل، حيث البعض غارق فى تفاصيل حياته اليومية ويرفع راية «مش متابع والله».

حائط الصد الشعبى على القدر نفسه من أهمية الصد الأمنى، هذا يدعم ذاك، وذاك يستمد قوته من هذا. لذلك، التوعية ونشر الثقافة ذات مكونات التاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد أمر بالغ الأهمية، ويكاد يكون أكثر أهمية من السخرية الموجهة إلى أصحاب المخطط الشيطانى، ولكنها تقتصر على التداول فيما بيننا.

وعلى سيرة نشر الثقافة، هذا يعيدنا إلى المطالبة المزمنة بالعمل على نشر الثقافة والوعى بكل شئون الحياة، وليس بالدين فقط. لن أكل أو أمل من التكرار: كفانا زجاً بالدين فى الطب والهندسة والنانو تكنولوجى وبطاقة التموين والذكاء الاصطناعى والبكالوريا وحصة الألعاب وأوتوبيس النقل العام. وكفانا إصراراً على توريط علماء الدين الأجلاء فى الاقتصاد وزيت الطعام والساحل الشمالى والجغرافيا ومريض السكر والبطلة الرياضية والأفلام وغزة واحتلال الأرصفة و«تشات جى بى تى» وأخيراً «ديب سيك».

ثقافتنا فى حاجة ماسة إلى التحرر من عبودية نسخ التدين المغلوطة، ومحاولات استلاب العقل المصرى، وتغول التطرف على حساب الفكر والفن والإبداع، والإصرار على جعل التعرى والعلاقات الجنسية المفتوحة والكفر والزندقة الوجه الآخر للدولة نصف الدينية نصف المدنية.

وأوجه تحية إلى رئيس الهيئة الوطنية للإعلام الصديق الكاتب والإعلامى أحمد المسلمانى، الذى يبذل جهوداً واضحة على طريق إعادة ثقة المصريين فى هويتهم، التى جرى طمس الكثير من ملامحها منذ سبعينات القرن الماضى.

ولا يخفى على أحد أن جهوداً مماثلة تبذل الآن من البعض ليس فقط للإبقاء على المصريين فى خانة التزمت الشكلى واللفظى، والاكتفاء بجانب العبادات دون المعاملات، ولكن لتغييبنا والإمعان فى تخلفنا الثقافى والمعرفى، رغم أن دولاً عدة حولنا تركض ولا تسير لتلحق بما فاتها.

الأستاذ المسلمانى يعرف أن قوة مصر الناعمة هى رمانة ميزانها، وضمان بقاء هويتها واستعادة ما فقدناه منها.

خشونة التعامل، وقسوة الفكر، وغلظة الأولويات، وفظاظة السلوك وغيرها تصلحه الأخلاق، ويعيد هيكلته العلم والتعلم، وتنقيه الموسيقى، وتطهره الرياضة، وتحسن منه الثقافة العامة فى شتى العلوم والآداب.

والخطوات التى تتخذها الصديق العزيز تسير فى هذا الاتجاه، وأتمنى أن تكون البداية للمزيد، وليس فقط لإحياء ما فات، ولكن لصناعة الجديد والحديث.

نحن فى حاجة ماسة إلى إعادة بناء وإعمار الثقافة والروح والهوية المصرية.

نحتفظ بما فات وتوارثناه والصالح للمستقبل، ونبنى عليه ما يؤهلنا لعبور المراحل بالغة الصعوبة المقبلين عليها.

لا «سلفنة» المجتمع الدائرة رحاها بقوة ودون مقاومة أو ممانعة أو حتى وقاية ستنقلنا إلى المستقبل الذى نستحقه، ولا الزج برجال الدين فى شئون الحياة المدنية والمعيشية سيقينا شرور الواقع.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة والكوكب وهويتنا غزة والكوكب وهويتنا



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 00:30 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

هالاند يحذر خصومه ويؤكد ما زلت أملك المزيد
المغرب اليوم - هالاند يحذر خصومه ويؤكد ما زلت أملك المزيد

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib