لغة الانتصاراتِ الدّعائية

لغة الانتصاراتِ الدّعائية

المغرب اليوم -

لغة الانتصاراتِ الدّعائية

عبد الرحمن الراشد
بقلم : عبد الرحمن الراشد

وقفُ الحرب بحد ذاتِه لحظةٌ مفرحةٌ، بغضّ النَّظر عمَّن له الفضلُ في ذلك، أو التراشق حول الأسباب والمسببين، إذ لم يكن يمرُّ يومٌ دون أن يُقتل فيه مدنيون أبرياء على مدى عامين. ولأنَّ الصورة قاتمة... فالخسائر البشرية مروعة، والدمار لا مثيلَ له في كلّ حروب فلسطين، ستلجأ هذه الجماعاتُ لإطلاق الدعايةِ التَّمجيدية بعد أن تسكتَ أصواتُ البنادق.

هناك لغةٌ خاصة لا تمتُّ للواقع والحقيقة بصلة. عقب كلّ حربٍ خاسرة، بدلاً من التصالح مع المجتمع المجروح والمضيّ قدماً إلى الأمام، يتمُّ استحضار معجمِ الهزائم، وحشد مصطلحات تسويغية ومبرراتٍ أخلاقية لما حدث، وشرعنة لقرار الحرب الذي كان، وكتابة التاريخ بصفة المنتصر، والتّوعد بالمزيد.

أَسْبَغُوا على الهزيمة مسمَّى «النصر الإلهي» في حرب عام 2006، بين «حماس» و«حزب الله» في مواجهة إسرائيل، التي انتهت بمقتلِ ألفٍ وستمائة لبناني، وتدمير مدينةِ غزةَ الفلسطينية. والأمر يتكرَّر اليومَ في غزة بمقتل أكثر من ستين ألفاً، وتدمير مدنِ القطاع، وإجبار «حماس» على تسليم سلاحها والخروجِ من الحكم. ويسمى كلّ هذا بالنصر المعنوي!

وسبق للعراق أنْ سمَّى حربه الفاشلة بـ«أم المعارك». إنَّما صدام على الأقل تجرَّع كأس السُّم وقبل توقيع الاستسلام في «خيمة صفوان» على الحدود، ولم يحاول ادعاءَ النَّصر.

في أدب الهزائم القديمة استُخدمت «نكبة» و«نكسة» و«الكرامة» لرفض فكرةِ المراجعة والمحاسبة. وتتكرَّر المبررات نفسُها، «هجوماً استباقياً» وأنَّه كانت عندهم معلوماتٌ عن هجوم إسرائيلي وشيك. وتمَّ تضخيمُ المكاسب... من عودةِ القضية للواجهة، وأنَّ ميادين العالم اكتظت بالمتظاهرين، والإعلام الغربي ينتقد إسرائيل، وبضعة يهود شاركوا في الاحتجاجات. وكلُّها مكاسبُ صغيرة ووقتيّة لا تقارَن بما تسببت فيه الحرب من أذًى للناس، وخسائر سياسية غيَّرت الخريطةَ لصالح ما تتمنَّاه إسرائيل. ادعاء الانتصار المعنوي عبارةٌ تتردَّد للتقليل من وقع الهزيمة على الجمهور، والاستمرار لاحقاً في ارتكاب الأخطاء نفسها، كما يفعل المُدمنون عادة.

ويتم حرفُ الانتباه عن النتيجتين الرئيسيتين، موافقة «حماس» على تسليم سلاحِها والخروج من حكم غزة، إلى الحديث عن كيف أنَّ الرئيس ترمب شارك شخصياً وهدّد نتنياهو وأجبره على التنازل. والحقيقة أنَّ ترمب لا يريد لنتنياهو وحده التكسّبَ من النتيجة وليس العكس. الحقيقة المكملة أنَّ ترمب حقق نصراً سياسياً لإسرائيل لم يكن نتنياهو يستطيع تحقيقه، بمنع مساندة «حماس» وحرمانها من حلفائها.

ليس مطلوباً من أحد أن يعتذر ويطلب الصفحَ من الملايين الذين عانوا بسبب تلك القرارات الخاطئة، إنَّما في الحدّ الأدنى ينبغي التوقفُ عن تجميل الهزائم ووقف الاحتفال بها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لغة الانتصاراتِ الدّعائية لغة الانتصاراتِ الدّعائية



GMT 19:38 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 19:36 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

معلقات اليمن

GMT 19:33 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

العصا الرقمية... والهشّ على الغنم

GMT 19:31 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في عشق السلاح...

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا المتحدة... وليبيا المُنقسِمة

GMT 19:23 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

GMT 19:19 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

(٢٣B) تانيت قرطاج الذهبى!

GMT 19:17 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

مكلومون ومصورون

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 02:23 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ويتكوف يعلن توقيت انطلاق المرحلة الثانية من اتفاق غزة
المغرب اليوم - ويتكوف يعلن توقيت انطلاق المرحلة الثانية من اتفاق غزة

GMT 13:59 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

انستغرام يطلق تطبيق Reels مخصص للتليفزيون لأول مرة

GMT 14:33 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية العام فرصاً جديدة لشراكة محتملة

GMT 18:37 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتعد عن النقاش والجدال لتخطي الأمور وتجنب الأخطار

GMT 21:04 2022 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

"طائرة الزمالك" يهزم المنيا 0/3 في دوري المرتبط

GMT 11:54 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

أخر صيحات الموضة لموسمي خريف وشتاء 2024-2025

GMT 01:34 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

بلقيس فتحي تطرح أحدث أغانيها "أحاول أغير"

GMT 06:31 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب ليستر سيتي يدخل دائرة اهتمامات إدارة مانشستر يونايتد

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 04:43 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

لاند روفر تخطط لإطلاق SUV صغيرة اقتصادية التكلفة

GMT 10:40 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

الصحافة الإنجليزية تُواصل كشف فضائح قطر

GMT 08:36 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

2017 أقل من فرح وأكثر من خيبة

GMT 05:56 2015 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

أبطال مسلسل "البيوت أسرار" ينتهون من تصوير مشاهدهم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib