ما بعدَ هجوم الدوحة

ما بعدَ هجوم الدوحة

المغرب اليوم -

ما بعدَ هجوم الدوحة

عبد الرحمن الراشد
بقلم : عبد الرحمن الراشد

لنكنْ واقعيينَ، الدولُ العربيةُ التي لها علاقةٌ بإسرائيلَ لن تقطعَها، والدولُ التي فيها قواعدُ واشنطن العسكرية لن تغلقَها، ومصرُ لن تنسحبَ من اتفاقية استيرادِ الغاز، وأبو مازن لن يتركَ السلطةَ في رام الله.

هذه أثمانٌ سياسيةٌ باهظة ولو ضحَّت بها الدولُ المعنية لن تحصلَ هي أو الفلسطينيون مقابلَها على تنازلات أو انتصارات.

لن يحدثَ شيءٌ من هذا القبيل، وعلينا أن نبنيَ توقعاتِنا بما يمكن تحقيقُه ضمنَ أفق سياسيّ عمليّ، وليس على طروحاتٍ غيرِ واقعية.

الأسبوع المقبل سيشهدُ مبنى الأممِ المتحدة جلساتٍ عاصفةً عنوانها «حل الدولتين»، وستستمرُّ بعد ذلك ضمنَ عملية حشدِ تأييد دولي واسعٍ للمشروع السعودي الذي سيجعلُ الدولةَ الفلسطينيةَ كياناً قانونيّاً موجوداً وإنْ رفضته إسرائيل.

عِوضاً عن إغلاقِ القَواعدِ وقطعِ العلاقات خيرٌ لهذه الدول مجتمعةً أن تدعمَ النشاطَ المتزايد للوصول إلى النقطة التي سيصبحُ فيها حلُّ الدولتين مطلباً ملحّاً يؤيده المجتمع الدولي، بما في ذلك حلفاءُ إسرائيل وأصدقاؤها، كما فعل الفرنسيون ووعدَ البريطانيون والألمان.

تضافرُ الجهودِ نحو الحل السلمي هو أقوى تأثيراً من تحالف دعاةِ القتال. تاريخيّاً، وبخلافِ هرطقات محلّلي دعاةِ الحرب، للخطواتِ الدبلوماسية ذاتِ المشاريع السلمية نتائجُ ملموسة على الأرض. «كامب ديفيد» أعادت كلَّ سيناء وقناةَ السويس ووفَّرت نصفَ قرن تقريباً من السَّلام والاستقرارِ لمصرَ. أوسلو بكلّ مثالبِه أعادَ آلافَ الفلسطينيين من منافيهم في تونسَ واليمن إلى الضَّفةِ الغربية. ولولاه ربَّما لما كانَ ممكناً الحديثُ عن دولة فلسطينية. في المقابل، كلُّ ما فعلته المنظماتُ المسلحة من «حماس»، إخوانية إسلامية، و«الجبهة الشعبية»، قومية يسارية، و«الجبهة الديمقراطية»، ماركسية، و«جبهة التحرير العربية»، بعثية، و«جبهة التحرير» لأبي العباس الذي خطف سفينة، وأبي نضال وكارلوس الفنزويلي، وكانت هناك تنظيماتٌ مساندة مثل «الجيش الأحمر» الياباني و«الألوية الحمراء» الإيطالية، جميعها لم تحقق شيئاً. ولا ننسى أنَّه كانت هناك أنظمةٌ سادت ثم بادت، عاشتْ على وعودِ المواجهات العسكرية، مثل صدام والأسد والقذافي، ولم تحقق منها تحريرَ شبرٍ واحد من فلسطين.

الانكسارات الواسعة اليوم لمعسكر المتطرفين، «حزب الله» وإيران والحوثي وغيرها في المنطقة، ستحيي التفكير العقلاني في التعامل مع القضية الفلسطينية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ماذا عن إسرائيل؟ ليست من خصالِ نتنياهو الوفاء بالعهود، ولم يفاجئنا هجومُه على الدوحة. لا تزال تداعيات السابعِ من أكتوبر هي محركَ السياسة الخارجية الإسرائيلية، وهي بوصلتها رغم مرور عامين عليها.

نجاح إسرائيل العسكري هائلٌ، ولا تزال قادرةً على المزيد، ولهذا إيران، التي كنَّا نفترض أنَّها قوةٌ ضاربة موازية بعشراتِ الآلاف من الصواريخ الباليستية والمسيرات وجيوش من الميليشيات، انكفأت اليومَ إلا من البيانات الرسمية.

إسرائيلُ تفضّل المعاركَ العسكرية، وتخشى من المواجهات السياسية، لأنَّها قادرة على الانتصار، ولا أحد يشكك في تفوّقها. الحروب هي ملعبُها المفضل. أما العمل السياسي فهو أكثرُ ما يقلقها ويزعجُها لسببين رئيسيين. فهي حتَّى مع دعم الإدارة الأميركيةِ لا تستطيع ضمانَ تأييدها في مواجهاتٍ دبلوماسية مدروسة، وتنسجمُ مع تصورات هذه الدول. الثَّاني، أنَّ الإسرائيليين شبهُ مجمعين على تأييد الأعمال العسكريةِ الانتقامية، حتى الهجومُ على الدوحة غيرُ المبرّر حظي بأغلبيةٍ ساحقة وفق آخر استبيان، وتجاهل الرأيُ العامّ الإسرائيلي حقيقة أنَّ قطر كانت تعمل للتوصل إلى حلّ سلمي أيضاً يعيد الرهائن الذين فشلت الحربُ في إطلاق سراحهم.

الطروحاتُ السياسية، مثل حلّ الدولتين، ستجدُ قبولاً عند فئة من الشّعب الإسرائيلي وستكسب شرائحَ أكثر مع الوقت. لأنَّ الحلَّ سيقدم الضمانات بدلاً من حروب نتنياهو، أي تأمين أمن الإسرائيليين ومنع تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر.

تفوّق نتنياهو العسكري عجز عن ترجمة انتصاراته إلى نجاح سياسي. من غزةَ إلى لبنان إلى إيران، والآن استهداف الدوحة حقَّق له أهدافه العسكرية، لكن من دون حلّ سياسي ستظلُّ المخاطر باقية.

إنَّ تكتل الدول العربية وراء مشروع واحد مستفيدين من قدراتهم المختلفة سيعزز فرصة الحلّ السياسي الذي يحقق للفلسطينيين دولتهم، وللإسرائيليين السلام، واعتراف معظم الدول العربية والإسلامية بهم، ويفوّت على المتطرفين مبررات العنف.

نحن على مشارفِ مرحلة لم يسبق أن رأينا مثلها. ما فعله نتنياهو أنَّه نجح في تدمير خصومه، وفي الوقت نفسه ينزع بذلك دعوى الاحتلال المكرّس باسم الأمن والاستقرار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعدَ هجوم الدوحة ما بعدَ هجوم الدوحة



GMT 06:32 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 06:29 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 06:27 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

تكليفات الرئيس!

GMT 06:26 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

سمعة البرلمان!

GMT 06:23 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 06:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماذا تبقى من ذكرى الاستقلال في ليبيا؟

GMT 06:09 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مُقرئ الفلوس

GMT 06:01 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

كعب لا تقبله أمريكا

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 11:34 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

محمد رمضان يدخل منافسة عالمية ويستعين بجمهوره
المغرب اليوم - محمد رمضان يدخل منافسة عالمية ويستعين بجمهوره

GMT 13:59 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

انستغرام يطلق تطبيق Reels مخصص للتليفزيون لأول مرة

GMT 14:33 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية العام فرصاً جديدة لشراكة محتملة

GMT 18:37 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتعد عن النقاش والجدال لتخطي الأمور وتجنب الأخطار

GMT 21:04 2022 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

"طائرة الزمالك" يهزم المنيا 0/3 في دوري المرتبط

GMT 11:54 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

أخر صيحات الموضة لموسمي خريف وشتاء 2024-2025

GMT 01:34 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

بلقيس فتحي تطرح أحدث أغانيها "أحاول أغير"

GMT 06:31 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب ليستر سيتي يدخل دائرة اهتمامات إدارة مانشستر يونايتد

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 04:43 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

لاند روفر تخطط لإطلاق SUV صغيرة اقتصادية التكلفة

GMT 10:40 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

الصحافة الإنجليزية تُواصل كشف فضائح قطر

GMT 08:36 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

2017 أقل من فرح وأكثر من خيبة

GMT 05:56 2015 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

أبطال مسلسل "البيوت أسرار" ينتهون من تصوير مشاهدهم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib