سوريا ودعوى الخذلان

سوريا ودعوى الخذلان

المغرب اليوم -

سوريا ودعوى الخذلان

لا أحد يستطيع أن ينكر أن ما يحدث في سوريا مروع بكل ما تعنيه الكلمة، الآن طائرات الهليكوبتر، والدبابات، والمدفعية الثقيلة تدك الأحياء السكنية في الكثير من المدن، ومعظم ضحاياها أطفال ونساء وشيوخ، هذه الفظائع يدري بها المراقبون، والمنظمات، والحكومات في أنحاء العالم، مذبحة بشرية مستمرة منذ أكثر من عام والمجتمع الدولي لا يفعل شيئا لمنعها، هذا أمر لا جدال فيه. مع ذلك، أعتقد أن الفاعلين في قلب الثورة وعلى أطرافها يخطئون عند التحريض ضد الجميع بحجة أنهم لم يفعلوا شيئا، لأن الثورة السورية ربما لم تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم لولا وجود شيء من المساندة الخارجية لها، سياسيا ومعنويا وماديا، دول مثل السعودية والإمارات وقطر وتركيا وفرنسا وغيرها تناصرها منذ البداية، لكنها رسميا لا تستطيع إعلان ذلك لأسباب قانونية تضعها تحت طائلة الملاحقة، وتفتح على نفسها أبواب الانتقام من القوى الدولية الأخرى المعارضة. ما كان سهلا على المعارضة أن تعمل من دون تركيا التي استضافت نشاط الجيش السوري الحر، وعلى أرضها قام المجلس الوطني كحركة سياسية، ومن حدودها تتم عمليات التهريب المستمرة منذ عام، بالسلاح والأفراد والمقاتلين والإعلاميين، كذلك دول الخليج، هي منذ البداية تقدم للثوار دعمها، تحت الطاولة، دعائيا وماديا ودبلوماسيا وغيره، ولا يمكن أن ننكر أن الفرنسيين يبذلون جهدا كبيرا لجمع المعارضة، وترتيب العمل السياسي، ومواجهة النظام السوري سياسيا، وحتى نرى الأميركيين، ولهم مصلحة واضحة في إسقاط نظام بشار، يقدمون مساعدة نوعية من المعلومات الاستخبارية تساعد المقاتلين على الأرض على التحرك، تمرر لهم عبر وسطاء عرب، صحيح أننا لا نرى في سماء سوريا ما رأينا في سماء ليبيا، مقاتلات الناتو تقصف قوات الأسد، وتدمر أسطوله الجوي ودباباته، الدعم أقل بكثير، لكن هذا القليل ضروري، ولولا تأييد الثورة لما استطاع الكثير من قادة المعارضة والثوار الترحال، وما استطاعت معظم وسائل الإعلام العمل واستضافة المعارضين، ولو لم يكن معظم المجتمع الدولي يتعاطف مع الشعب السوري لاستطاع النظام خنق المعارضة لسنين مقبلة، كما فعل نظام البشير بأهل دارفور لسنين طويلة، مات نحو مليون إنسان في حرب دامت سنوات، ولم تجد استغاثاتهم سوى الدعم الكلامي من المجتمع الدولي، والتجاهل العربي. لا يجب أن يظن أحد أن إسقاط نظام حديدي، كنظام الأسد المدعوم روسيا وإيرانيا، مسألة سهلة، ومعظم المآسي المشابهة لم تحسم دوليا إلا بعد معارك طويلة في دهاليز الأمم المتحدة وغيرها، فالبوسنة استمرت لعامين قبل تدخل الناتو وإسقاط نظام ميلشوفيتش، عرف العالم بالكثير من المآسي ولم يبال بها أحد في سيراليون وكمبوديا وليبيريا ورواندا وغيرها، إلا بعد أن دفنت آخر جثة. ولا يحتاج للمرء أن يعمل في الحقل السياسي حتى يدرك أن الأرض مليئة بالأنظمة الشريرة، وأن الأمم المتحدة قلما تنجد المستغيثين من المظلومين، ولا أدل على ذلك من قضية الشعب الفلسطيني، حيث الظلم مستمر لأكثر من سبعين عاما، دوافع التدخل الدولي محدودة، فسوريا ليست الكويت ولا ليبيا، حيث النفط فيها عامل استراتيجي دولي، ويزيد الأمر تعقيدا أن سوريا جزء من صراع الجغرافيا السياسية بين القوى الكبرى، عندما سألوا المندوب الروسي في الأمم المتحدة لماذا استخدم الفيتو ضد قرار منع مجازر الأسد، رد بسخرية: «كل المسألة.. استهداف إيران»، أي أن السفير لا يرى في انتفاضة السوريين إلا أنها خطة لتطويق إيران! وهذا ما يردده البعض خطأ مثل فهمي هويدي: «حكاية المؤامرة على سوريا صحيحة ولا أحد يستطيع أن ينكرها، لكن أحدا لا يستطيع أن ينكر أيضا أن إذلال النظام السوري للشعب مكن لمخططات التآمر أن تنفذ»! طبعا هذا هراء، فهل أطفال درعا، الذين بسببهم انتفض السوريون، جزء من مؤامرة؟ نظام الأسد في كل تاريخه إجرامي، هذه هي الحقيقة البسيطة، لا يوجد متآمرون في ثورة سوريا، لكن قد توجد مصالح متطابقة لدول مختلفة تريد مساعدة الثوار. ومن صالح الفاعلين في الثورة السورية أن يستفيدوا من كل دعم مهما صغر، لأن ذلك يعجل بنهاية النظام، والأهم أن أمامهم طريقا صعبا في الحفاظ على سوريا، أرضا وقوى متحدة، وهنا يكون الدور الدولي في غاية الأهمية. نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا ودعوى الخذلان سوريا ودعوى الخذلان



GMT 23:14 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ذاكرة الرجل الصامت

GMT 23:12 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إسرائيل... لماذا تفوَّقت في لبنان وليس في اليمن؟

GMT 23:10 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

مشهد الشرق الجديد... من يرسمه؟

GMT 23:07 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سبب آخر للاستقالة

GMT 23:05 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

البديل الحوثي للبنان...

GMT 23:04 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

التجويع بهدف التركيع

GMT 23:02 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس؟

GMT 23:00 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ماذا لو رد «الجميل» السلام؟!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib