العزل السياسي أم التسامح والمصالحة

العزل السياسي أم التسامح والمصالحة؟

المغرب اليوم -

العزل السياسي أم التسامح والمصالحة

عماد الدين أديب

دول الربيع العربي، جميعها، ارتكبت جريمة كبرى عقب النجاح الأولي لثوراتها وقيامها بإسقاط رموز النظام القديم! تلك الجريمة هي التفكير الجدي والسعي الفعلي لإقرار قوانين العزل السياسي، لكل من كان له علاقة بالنظام القديم، بدلا من السعي إلى المصالحة الوطنية الشاملة. العزل وليس المصالحة، الانتقام وليس التسامح، الإبعاد السياسي وليس تعبئة كل طاقات الوطن. هذا المنهج لا يمكن له أن ينهض بأي مجتمع! عار علينا أن تتحول المرحلة «الانتقالية» إلى مرحلة «انتقامية» يتم فيها تصفية الحسابات القديمة بين عهد وآخر، وبين رموز نظام جديد ورموز نظام رحل! حاولوا أن تتصوروا ماذا كان يمكن أن تكون عليه دولة جنوب أفريقيا اليوم، لو لم يتعامل المناضل العظيم نيلسون مانديلا بمنهج التسامح والعفو والعدالة الانتقالية؟ لو كان مانديلا، الذي اعتبر أطول معتقل سياسي في عصره، انتقاميا، لكانت بلاده تعيش حتى كتابة هذه السطور في بحار من الدم والدم المضاد، ولكانت جنوب أفريقيا مسرحا للعنف القبلي والعنصري والمذهبي. وفي رواندا، التي بلغ تعدادها قرابة 10 ملايين، وفقدت خلال حربها القبلية بين «الهوتو» و«التوتسي» نحو 15 في المائة من السكان، استطاعت هذه الدولة الصغيرة أن تحقق أعلى معدلات للتنمية عقب أكبر مصالحة وطنية في تاريخ البلاد. ولم يعد أحد في «رواندا» يقول: هذا «توتسي»، أو هذا «هوتو»، بل انتهت القبلية من عقل المجتمع تماما. وسوف تظل الأمور شديدة التوتر في ليبيا بسبب قوانين العزل السياسي التي صدرت تحت الحصار وأسنة الرماح، وسوف تزيد من الاتفاق القبلي والمناطقي والسياسي بين أبناء الوطن الواحد. أما تونس، فإن الثأر والثأر المضاد بين أعضاء نظام بن علي ونظام الثورة في ازدياد بشكل واضح في محافظات العاصمة والجنوب التونسي، في وقت انخفضت فيه لغة الحوار السياسي العاقل، وزادت فيه لغة عنف الشوارع التي تقودها التيارات الدينية المتطرفة في مقابل التيارات العلمانية المضادة. ولم تتوقف المحاكم التونسية عن نظر قضايا يرفعها ضحايا النظام القديم من أجل القصاص أو التعويض. أما الحالة المصرية، فهي الأكثر تعقيدا، لأنها فشلت في جميع الحالات! لقد فشل ضحايا النظام السابق في الحصول على الحق العام من هذا النظام، بسبب التعجل في نظر قضايا ودعاوى لم تكتمل ملفاتها بشكل يرضي ضمير أي قاضٍ محايد. ومن ناحية أخرى، فشلت القوى السياسية في التوصل إلى صيغة للعدالة الانتقالية يقوم فيها أقطاب النظام السابق بـ«التطهر السياسي الذاتي» من أخطاء وخطايا التجربة، ثم الدخول بشكل فيه نقاء وتطهير لتجربة عالم ما بعد الثورة. الحالة المصرية لم تؤدّ إلى قصاص، ولم تؤدّ في الوقت ذاته إلى مصالحة وعدالة انتقالية! العزل السياسي، تاريخيا، لم يحقق سوى نجاحات محدودة، وبالذات في مرحلة ما بعد المافيا النازية وإيطاليا الفاشية. نقلا عن جريدة الشرق الاوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العزل السياسي أم التسامح والمصالحة العزل السياسي أم التسامح والمصالحة



GMT 10:14 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«أوراقي 9».. محمود الشريف الدور 9 شقة 4!

GMT 10:11 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات دمشق

GMT 10:10 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الشرع من موسكو إلى واشنطن

GMT 10:09 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أما آن للمغرب العربي أن يتعافى؟

GMT 10:08 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الجهل قوّة يا سِتّ إليزابيث

GMT 10:07 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية: هل سيشكر ترمب ممداني؟

GMT 10:05 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«حزب الله» في بيانين

GMT 10:04 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس كَمَنْ سمع

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 19:22 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران
المغرب اليوم - بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران

GMT 23:50 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية
المغرب اليوم - إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية

GMT 23:02 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج
المغرب اليوم - واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج

GMT 01:37 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب
المغرب اليوم - فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب

GMT 10:37 2012 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سوتشي مدينة التزلج الأولى في روسيا تستضيف أوليمبياد 2014

GMT 14:25 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

انهيار برج ضخم في مصافي حيفا

GMT 10:35 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف أن الهواتف الذكية تجعل المراهقين غير ناضجين

GMT 06:57 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

السودان تحذر من فيضانات على ضفتي النيل الأزرق والدندر

GMT 05:52 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

الخبيرة منى أحمد تُبيِّن مدى قبول كلّ برج للاعتذار

GMT 05:30 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

CGI wizardry تعيد الحضارات القديمة وتجسدها للزوار
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib