حرب المائة عام لم تضع أوزارها بعد

حرب المائة عام لم تضع أوزارها بعد

المغرب اليوم -

حرب المائة عام لم تضع أوزارها بعد

بقلم - عريب الرنتاوي

لا أحد مثل الفلسطينيين يعرف تمام المعرفة، خطط إسرائيل وألاعيبها، اكاذيبها ومناوراتها، فقد اختمرت تجربتهم وانصقلت بعد ما يربو على المائة عام من المواجهة مع الصهيونية منظمات وعصابات ودولة وقطعان مستوطنين... ولا أحد مثل الشعب الرازح تحت الاحتلال، القديم منه والحديث، قادر على انتاج المبادرات والأشكال الكفاحية المبدعة، التي تتعاطى مع كل ظرف مستجد، وتستجيب لكل تحدٍ ناشئ.

ففيما كان بعض العرب ينظرون باستخفاف للإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بشأن الحرم القدسي الشريف، عرف الفلسطينيون فوراً، أن خلف الأكمة ما وراءها، وأن “مؤقت إسرائيل دائم”، وان الأحزمة الأمنية كانت على الدوام، طريق تل أبيب للضم والإلحاق والتهويد والاستيطان ... لم يشتروا بضاعة نتنياهو الكاسدة، مثلما فعل بعض العرب الغافلين والمتخاذلين، ولم يأخذوا بالرواية الإسرائيلية، فقد خبروا عشرات بل ومئات الرواية المماثلة.

لم ينتظر شعب فلسطين قياداته حتى تتوحد، وتقدم المصلحة العليا على مصالح “أمراء الانقسام”، ولم ينتظر التعليمات لا من رام الله ولا من غزة، هبوا هبة رجل واحد، من القدس ومناطق الاحتلال القديم (1948) والضفة الغربية، ليحموا بأجسادهم العارية، عروبة مدينتهم وإرثها الإسلامي، وليبددوا بزحفهم الشعبي أسطورة “العاصمة الأبدية الموحدة”.
شبان وشابات، شيوخ ونساء ورجال، اصطفوا على خطوط التماس، يقذفون الجنود المدججين بالحقد والكراهية وآخر ما انتجت الصناعات الحربية، بحجارتهم وهتافاتهم ... مظاهر الخوف كانت بادية على وجوه القتلة والمحتلين، وليس على وجوه المتظاهرين السلميين العزّل ... تكشفوا عن عزيمة وإصرار، تنهض كدليل إدانة لحالة الخواء والتخاذل والانبطاح، التي تهيمن على المناخات الرسمية العربية.
 
القدس تحولت في يوم الغضب إلى ساحة حرب حقيقية، صولات وجولات وعمليات كر وفر ... ليست المسألة أين يصلي الفلسطيني، المسألة أكبر من ذلك بكثير ... الفلسطيني ينتصر لعاصمته وعروبة عروس عروبته وحقوقه فيها كاملة غير منقوصة، ومن ضمنها، وفي مقدمتها حقه في مسجده، القبلة الأولى والحرم الثالث ... الفلسطيني نظر للصورة الأكبر للمعركة في الأقصى وحوله، فيما قصار النظر، لم يأخذوا المسألة إلا من أضيق زواياها، فكانت الفجوة كبيرة كذلك، بين ردة فعل الشعب الفلسطيني وردة فعل النظام العربي الرسمي.

يعرف الفلسطينيون أن كثيرا من العرب قد ركنوا قضيتهم الوطنية في زوايا الطمس والنسيان، وأن جل ما سيصدر من ردود أفعال رسمية، هو اتصال هاتفي مع واشنطن، وبيان خجول ودعوات للتهدئة والهدوء، بصرف النظر عمّا ستؤول إليه هذه الجولة من المعارك حول القدس والمقدسات ... ولكنهم مع ذلك لم يهنوا ولم يحزنوا، فتاريخ قضيتهم الوطنية هو تاريخ “الخذلانات” المتتالية من قبل نظام عربي رسمي، مات من زمن بعيد.

في زمن الانقسامات المذهبية والطائفية، يخرج مفتي القدس ورئيس أساقفة سبسطية للحديث بلغة واحدة، نحن شعب واحد، والأقصى مثل القيامة، مقدسات فلسطينية تتعرض للتدنيس، والتصدي للمؤامرة الصهيونية، فريضة عين على كل مسلم ومسيحي في فلسطين ... تصدح الكنائس بالآذان عندما يعز رفعه في المساجد، ويطلب المفتي إلى مختلف مساجد القدس بغلق أبوابها حتى يفتح باب الأقصى ... مشهد كدنا ننساه في عصر حروب المذاهب والطوائف والقتل والتهجير على الهوية.

القدس والأقصى، يعيدان “تذخير” و”شحن” طاقة الغضب والانتفاض التي تعتمل في صدور الفلسطينيين جميعا، وما عاشته العاصمة الفلسطينية المحتلة في يوم الغضب، سيعطي زخماً جديداً للروحية الكفاحية الفلسطينية، وسيدرك نتنياهو أن شعب “الجبارين” عصي على الكسر والاستيعاب، وأن حرب المائة عام التي بدأت في العام 1917، لن تضع أوزارها في العام 2017.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب المائة عام لم تضع أوزارها بعد حرب المائة عام لم تضع أوزارها بعد



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 19:22 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران
المغرب اليوم - بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران

GMT 23:50 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية
المغرب اليوم - إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية

GMT 23:02 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج
المغرب اليوم - واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 10:37 2012 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سوتشي مدينة التزلج الأولى في روسيا تستضيف أوليمبياد 2014

GMT 14:25 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

انهيار برج ضخم في مصافي حيفا

GMT 10:35 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف أن الهواتف الذكية تجعل المراهقين غير ناضجين

GMT 06:57 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

السودان تحذر من فيضانات على ضفتي النيل الأزرق والدندر

GMT 05:52 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

الخبيرة منى أحمد تُبيِّن مدى قبول كلّ برج للاعتذار

GMT 05:30 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

CGI wizardry تعيد الحضارات القديمة وتجسدها للزوار
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib