لبنان بانتظار الأصعب

لبنان بانتظار الأصعب

المغرب اليوم -

لبنان بانتظار الأصعب

بقلم : عريب الرنتاوي

نجا لبنان من طوفان "الربيع العربي" وارتدادات الزلزال السوري، بفعل توفره على شبكة أمان إقليمية – دولية، نأت به عن الانزلاق إلى اتون حرب أهلية... التقت مصالح الأطراف الإقليمية المتصارعة (إيران والسعودية) على إبقاء لبنان خارج حلبة "حروب الوكالة" ومسارحها، وانعقدت التفاهمات بين القوى الدولية الوازنة (روسيا، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) على إبقاء هذا البلد الصغير في غرفة العناية المشددة، وإبقائه مشدوداً إلى أجهزة التنفس الصناعية حتى لا يلفظ سلمه الأهلي، أنفاسه الأخيرة.

نجحت التجربة، وأمكن للبنان أن يجتاز "القطوع"، على الرغم من المحاولات المتتالية التي بذلها تنظيم "الدولة" وجبهة "النصرة" لاستهدافه في عقر داره ... الثمن كان فادحاً من حيث مئات الضحايا الأبرياء وتفاقم أزمات الاقتصاد والسياحة وغيرهما، بيد أن لبنان نجا بأعجوبة، حتى أنه تمكن بعد طول لأي، من انتخاب رئيس جديد، طارداً فراغاً دستورياً امتد لعامين ونصف العام تقريباً.

السؤال الذي يقلق المراقبين هذه الأيام، يتعلق أساساً بـ"مدة صلاحية" شبكة الأمان الإقليمية – الدولية تلك، هل لا زالت قائمة، أم أن المصالح باتت تقتضي سحب الغطاء وثقب الشبكة؟ ... هل يمكن في ظل تفاقم الاستقطاب وتنامي حدة المواجهة بين القطبين الإقليميين، وبدعم أمريكي مباشر وتشجيع إسرائيلي غير مباشر، هل يمكن لهذه الشبكة أن تظل فاعلة، أم أن لبنان يبدو اليوم عرضة لهزات واهتزازات قد تطيح بسلمه الأهلي الهش، وتعيد لأهله ذكريات حرب سوداء، دامت لخمسة عشر عاماً، يجهد الجميع من أجل نسيانها، والأهم عدم تكرارها؟

ثمة مؤشرات مقلقة في هذا السياق... فما يشاع عن فرض عقوبات أمريكية إضافية على لبنان، تشمل حزب الله وبيئته وحلفائه وأصدقائه، يضع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب اللبناني في مرمى النيران الأمريكية، ولقد شهدنا إرهاصات هذا الموقف الأمريكي الناشئ في قمة الرياض العربية – الأمريكية، حين استثني الرئيس العماد ميشيل عون من اللائحة السعودية للمدعوين للقمة، ووجهت الدعوة لرئيس الحكومة سعد الدين الحريري بدلاً عنه، في سلوك يتجاوز العرف والبروتوكول، ويكشف عن حجم الضيق الخليجي – الأمريكي، بإيران وحلفائها وأصدقاء حلفائها كذلك ... من حق المراقبين أن ينظروا لهذا التطور بوصفه توطئة لما هو قادم، أو على الأقل، إبداء القلق من احتمال أن يكون الأمر كذلك.

وما امتنعت الأوساط الرسمية السعودية عن ذكره أو البوح به، تحدثت مقالات الصحف ووسائل الإعلام المحسوبة على الرياض والممولة منها عن الأمر بصراحة ... فقد كان العماد عون، عرضة لانتقادات قاسية عبر هذه المنابر، واتهم بتبعيته لإيران و"حزب الشيطان"، واستحضرت فصول من الحرب الأهلية اللبنانية للتذكر بأن يدي الرجل ملطختين بدماء اللبنانيين كذلك ...أما مفاعيل أول زيارة خارجية قام بها العماد بعد وصوله إلى قصر بعبدا إلى الرياض، فقد تبددت تماماً، ولم يبق منها سوى بعض الصور الأرشيفية.

غير بعيد عن هذه المحاور والجبهات، تقف إسرائيل بالمرصاد للبنان، ومن بوابة استهداف حزب الله، الغارات الإسرائيلية لا تتوقف على مواقع وقوافل يقال عادة أنها تنقل أسلحة للحزب من إيران إلى لبنان عبر سوريا ... الترتيبات تجري على قدم وساق لمنع الحزب وحلفائه من الحصول على موطئ قدم على امتداد الجبهة الجنوبية، حتى وإن تطلب الأمر دعماً إسرائيلياً لجبهة النصرة ... فيما التهديدات بشن حرب جديدة تستهدف صواريخ الحزب وقدراته الردعية العالية، لا تكاد تتوقف، حيث لا يتمحور الجدل داخل المستويين الأمني والسياسي في إسرائيل حول احتمال شن حرب جديدة على لبنان من عدمه، بل حول توقيته وسياقاته واللحظة المناسبة لشنه والتكتيكات العسكرية التي يتعين اتباعها.

خصوم الحزب في المنطقة وأعدائه، خصوصاً في إسرائيل، يتشجعون بالمواقف شديدة العدائية لإيران التي يعبر عنها صبح مساء، ترامب وفريقه الرئاسي ... خطاب الرئيس الأمريكي في الرياض، ركز على حزب الله وتطرق لحماس، بوصفهما إلى جانب داعش والقاعدة، فصائل إرهابية تتلقى الدعم من الدولة الراعية للإرهاب: إيران ... معظم القادة العرب والمسلمون، لاذوا بالصمت حيال هذه الموقف، بل أن بعضهم تولى تكرار  ما يتصل منها بحزب الله، والتشديد عليها والإشادة بها، وترك أمر "شيطنة" حماس، لوسائل إعلام هذه الدول، التي لم يعد بعضها يتردد عن وصف الحركة الفلسطينية بالإرهابية.

لا نستطيع الجزم بان الغطاء الإقليمي الدولي للبنان قد سحب، وأن شبكة الأمان الإقليمية – الدولية قد تآكلت وبليت، لكننا لا نستبعد أن يسقط لبنان في امتحان "النأي بالنفس"، وأن يفقد القدرة على المناورة بعد أن ضاقت هوامشها، في ظل انفجار حرب التصريحات والاتهامات بين طهران والرياض لتصل حد التهديد المباشر بإسقاط الأنظمة وذبحها ونقل المعركة إلى عقر دار الخصم ... وفي لحظة شعارها من ليس معنا فهو عدونا بالضرورة، سيجد لبنان نفسه في مواجهة أكثر اللحظات حرجاً منذ انطلاق قطار الربيع العربي من تونس في مختتم العام 2010.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان بانتظار الأصعب لبنان بانتظار الأصعب



GMT 15:22 2025 الجمعة ,02 أيار / مايو

سوريا الجديدة ومسارات التكيّف والتطويع

GMT 10:08 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

عن تحولات الجولاني وموسم الحجيج إلى دمشق

GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:17 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

إستوحي إطلالتك الرسمية من أناقة النجمات بأجمل ألوان البدلات الكلاسيكية الراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 20:23 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله
المغرب اليوم - عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله

GMT 09:34 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

الرجاء يخاطب منخرطيه قبل الجمع العام

GMT 05:15 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"قميص الدنيم" لإطلالة أنيقة ومريحة في آن واحد

GMT 07:07 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ناصر بوريطة يناقش قضايا متعددة مع وزيرة خارجية السويد

GMT 15:36 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 20:46 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

اعتقال رجل يقود سيارته برفقة زوجته "المتوفاة"

GMT 21:49 2019 الثلاثاء ,05 آذار/ مارس

وفاة والد خالد بوطيب مهاجم الزمالك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وجهات مشمسة لقضاء عطلة صيفية في قلب الشتاء

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib