الدارالبيضاء - جميلة عمر
شهد حي بوركون، أمس الجمعة، يومًا اسودًا شبيهًا بزلزال مدينة أغادير في العام 1960، حيث انهارت ثلاثة عمارات تحوي عدد كبير من السكان، ناموا يوم الخميس بعد أدائهم صلاة التراويح على أمل للاستفاقة لتناول وجبة السحور وأداء صلاة الفجر، ليسبقهم القدر، وتتحول مساكنهم إلى مقابر دفنت فيها أرواح وأجساد مواطنين سوتهم أسقفهم بالأرض، وهم يستعدون لاستقبال يوم رمضاني ظنوا أنه لا يختلف عن باقي الأيام.سكان بوركون يعرفون جيدًا أن شارع المهدي بن بركة، أو المكان الذي وقع فيه الحادث هو في الأصل مقبرة لغير المسلمين، وكانت تحاط بها أراضي زراعية يطلق عليها بــ"العرصة"، لكن مع بداية السبعينات تحولت تلك الأماكن الزراعية والمقبرة إلى مشاريع سكنية، والدراسة المعمارية والسلطات لم تسمح إلا بدور سكنية لا تتجاوز الثلاثة طوابق.
كل هذا يعود إلى تساهل الدولة مع حيتان العقارات، وصم الأذان أمام وحشية المضاربات العقارية مع غياب سياسة المراقبة، وعدم معاقبة جشع أصحاب العقارات الذين لا يبحثون إلا عن الربح السريع، وهو ما حدث في حي بركون،و التصميم الهندسي حيث وقع الحادث رخص لثلاثة طوابق فقط، في حين أصحاب العقارات، وبمساندة السلطات التي غضت عينها مقابل رشاوى، تم تجاوز غير قانوني للبنايات وبطريقة عشوائية، وكانت الحصيلة تحويل المنطقة إلى مقبرة لأبرياء معظمهم يستأجرون شققًا أو غرفًا، ما وقع من صنع جشع ملاك العمارات الثلاثة، الذين عماهم الطمع وحب المال، وكذلك المسؤولية تعود إلى رجال السلطة، والمرشح على المنتخب على المنطقة، ورجال التعمير، ومسؤولي الوكالة الحضرية، حتى المواطن مسؤول على ما حدث.
هذا الحادث المأسوي تتقاسم مسؤوليته بالدرجة الأولى، كلًّا من؛ محمد حصاد، بصفته وزيرًا الداخلية، ونبيل بنعبدالله، بصفته وزيرًا للسكن وسياسة المدينة، وكذا امحند العنصر، بصفته وزيرًا للتعمير، لأنهم من المفروض أن ينهجوا قبل كل شيء محاربة البناء غير القانوني العشوائي.وزير السكن، يعد بتقديم استقالته في حالة تكرار انهيار البيوت فوق رءوس، وللأسف لا أحد يقوم بواجبه المهني المنوط به، ففي كل مرة تقع مثل تلك الكوارث يخرج مسؤول ليعطي وعودًا أمام الكاميرا، وفي اليوم الموالي ينسى ما قاله، وتعود ريما لعادتها القديمة، فقبل هذا الانهيار، وبالضبط خلال انهيار منزل في سيدي فاتح، في المدينة القديمة، للدارالبيضاء، والذي خلف خمسة قتلى أعلن وزير السكن وسياسة المدينة، نبيل بنعبد الله، أنه "سيقدم استقالته، كتعبير عن ربط المسؤولية بالمحاسبة، متى سقط بيت آخر فوق رءوس السكان، وكان هذا مجرد كلام، إذ بعده انهار منزل في درب المعايزي، خارج سور المدينة القديمة، ونتج عنه مقتل رجلين وفتاة، لكن بنعبدالله لم يستقل.
وبالرغم من المتابعات القضائية، لعدد من أعوان السلطة، ومنتخبين ومسؤولين في ملفات مرتبطة بالسكن، سواء في شقه المتعلق بالبيوت الآيلة للسقوط، أو السكن العشوائي، ودور الصفيح، فإن الأحكام الزجرية لم تكن عبرة للآخرين، فالجشع والطمع والرشوة كانوا أسياد الموقف.وأمر وكيل الملك، بفتح تحقيق في الموضوع بشأن حادث الأمس، كما أمر محافظ الجهة كل المختصين في مجال الهندسة والتعمير بفتح بحث دقيق لكل العمارات التي تبنى بمواد مغشوشة، وسلع مُهرَّبة، ومصنوعات صينية ضعيفة، ومحاربة البناء غير القانوني.
لم يكن حي بوركون أول من شهد حالة انهيار مؤلمة، كالتي وقعت أمس الجمعة، بل سبقه الكثير من الحالات جعلت مدينة الدارالبيضاء تستيقظ بين الحين والأخرى على أخبار انهيارات في المنازل، والأسباب دائمًا تعود حسب الخبراء، إلى الزيادات العشوائية في بناء طوابق دون تصميم، فخلال العام 2009 انهار منزلان في درب السنغال في الدارالبيضاء، مخلفًا سقوط قتيل و14 مصابًا، وسبب الانهيار يرجع إلى تسقط الأمطار الغزيرة، وخلال العام 2011 لقيت سيدة مقتلها، وجرح اثنان آخران، جراء انهيار عمارة مُكوَّنة من ثلاثة طوابق وسط البيضاء، وبعد عام لقي 6 أشخاص مقتلهم إثر انهيار منزل في سيدي فاتح، في المدينة القديمة للدارالبيضاء، وبعده بيوم واحد أنهار منزل، في درب المعيزي، أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص، إضافةً إلى إصابة ستة آخرين، في دائرة مولاي يوسف، في عمالة أنفا، لتكون آخر كارثة، ونتمنى أن تكون الأخيرة هي التي وقعت أمس الجمعة، التي راح ضحيتها 11 قتيلًا، وقد يرتفع العدد إلى أكثر.
وأصدرت وزارة الإسكان، تقريرًا يوضح أن "ما بين 4000 و7000 مسكن مُهدد بالانهيار في أي لحظة في مدينة الدارالبيضاء"، بينما قالت جمعيات المجتمع المدني، أن "هناك 15 حيًّا مُهدَّدًا بالانهيار، وتتصدر عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان العمالات التي تحتوي على أكبر عدد من الدور الآيلة للسقوط بـ1874 منزلًا، أي بنسبة 65%، تتبعها مقاطعات أنفا بـ905 مساكن، بنسبة 32%، تليها عمالة مقاطعات عين السبع في الحي المحمدي بـ91 مسكنًا.ودقت دار الخدمات ناقوس الخطر، بشأن تفاقم السكن غير اللائق في مدينة الدارالبيضاء، إذ كشفت حسب إحصاءاتها، أن حوالي 200 ألف عائلة في مدينة الدارالبيضاء تقطن في سكن غير لائق، ويتكون هذا السكن من أحياء الصفيح التي تأوي نحو 48 ألف أسرة، بنسبة 24%، بينما يناهز عدد الأسر القاطنة في سكن غير قانوني 80 ألف أسرة.
كما كشفت اللجنة التي أعدت التقرير، أن "السبب يعود إلى كثافة السكان التي تصل إلى 2000 نسمة في كل هكتار، حيث يتم استعمال منزل مخصص لأسرة أو أسرتين من طرف أكثر من 5 أسر، كما أن عمر البنايات يتجاوز في معظم الحالات 50 سنة، إضافة إلى مشكلة الوعاء العقاري، وبقع أرضية صغيرة، وملك خاص أو ملك جماعي، بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة الانهيارات إلى تآكل دعامات تلك البنايات، وتسرب المياه العادمة، ومياه الشرب والمياه الشتوية داخل الجدران، وتأثير العوامل المناخية وضعف مواد البناء المستعمَلة سابقًا، إضافةً إلى تغييرات عشوائية، دون مراعاة ضوابط البناء وانعدام تصاميم الخرسانة المسلحة والصيانة.


أرسل تعليقك
تعليقك كزائر