نقطة نظام ملكية

نقطة نظام ملكية

المغرب اليوم -

نقطة نظام ملكية

توفيق بو عشرين


وضع الملك محمد السادس الإسلاميين والعلمانيين، الحداثيين والمحافظين، والمتدينين والليبراليين، النساء والرجال، في امتحان سياسي وفكري من أجل إيجاد قانون متوافق حوله بخصوص الإجهاض. ووجه محمد السادس دعوة إلى وزيريه في العدل والأوقاف وإلى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل التشاور مع كل الفرقاء، ووضع مشروع قانون في القصر الملكي في ظرف شهر. ماذا يعني هذا التدخل الملكي في هذا التوقيت وفي هذا الموضوع؟ 

أولا: التدخل الملكي في موضوع حساس مثل الإجهاض هو بمثابة نقطة نظام من الجالس على العرش، فبعد أن لاحظ الملك -الذي أعطاه الدستور مسؤوليات كبيرة في إدارة الشأن الديني- أن النقاش والسجال حول موضوع الإجهاض بين المتخاصمين يتجهان إلى تقاطب حاد بين من يؤيد إباحة الإجهاض بإطلاق، ومن يعارض بإطلاق النص على حالات بعينها يجوز فيها الإجهاض، تدخل لكي يمنع انقسام المجتمع كما حدث مع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية قبل عشر سنوات، حيث انتقل الاختلاف الفكري والسياسي حول المرأة بين الحداثيين والإسلاميين إلى الشارع، وأخرج الطرفان أسلحتهما الثقيلة، وبدءا يقصفان بعضهما بعضا. التدخل الملكي يقطع الطريق على المتطرفين في الجهتين، ويعطي للوسطية والاعتدال والتوفيق بين أحكام الشرع وضرورات الواقع مكانا لإيجاد حل لموضوع حساس تتداخل فيه الاعتبارات الدينية والحقوقية والسياسية والإيديولوجية، والغرض هو إبعاد الانقسامات العمودية الحادة بين الفرقاء في هذه المرحلة الانتقالية، حيث لم تنضج ديمقراطيتنا الهشة لتحتمل آلية الأغلبية والأقلية في الاختيارات المجتمعية الكبرى.

ثانيا: التدخل الملكي في موضوع الإجهاض الغرض منه إخراج الموضوع من «البازار» السياسي، وإبعاد إشكالية حساسة مثل الإجهاض عن سوق المزايدات السياسية بين الأحزاب والجمعيات النسائية والمحافظين والحداثيين الذين يتربصون ببعضهم البعض في كل منعرج، والذين يقبلون بشهية مفتوحة على تسييس كل القضايا والملفات، حتى الحساسة والمصيرية منها. التدخل الملكي دعوة إلى وضع الموضوع بين يدي الدين والعلم والطب والخبرة والتخصص. عندما يجلس الحكماء من كل تخصص في قاعة بعيدة عن حرارة الصراعات الإيديولوجية والاستقطابات الحادة سيجدون حلولا وصيغا كثيرة للتوفيق بين رأي الدين، الذي مازالت مرجعيته قوية في بلادنا، وضرورات التطور العصري وخصائص المجتمع المفتوح.

ثالثا: الملك أعاد ترديد عبارة والده عندما كلف لجنة الراحل عبد الهادي بوطالب بإعداد مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، حيث قال لوزيري العدل والأوقاف: «أنا لا أريد أن أحلل حراماً ولا أن أحرم حلالا». طبعا هذا توجيه عام، ولا يمكن للجالس على العرش إلا أن يقول مثل هذا القول، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، كما يقول الفرنسيون. ما هو الحلال وما هو الحرام في موضوع الإجهاض؟ هنا نحتاج إلى اجتهادات الفقهاء وإلى جرأة العلماء. اليوم هناك مئات حالات الإجهاض السري غير القانوني تتم في العيادات الخاصة وفي البيوت، ولأن القانون يمنع الإجهاض، كيفما كانت مبرراته، فإن المواطنين يلجؤون إلى طرق أخرى للتخلص من الأجنة، وهنا تتعرض حياة بعض النساء للخطر، فهل يتدخل القانون ويجد حلا للموضوع أم نغمض العين بدعوى أن تقنين الإجهاض سيوسع من نطاق العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج…

عندما يتعرض شخص لحادثة سير لأنه كان يسوق سيارته بسرعة جنونية، هل نحمله إلى المستشفى للعلاج، أم نقول له: «لا، أنت ارتكبت حماقة السياقة بسرعة كبيرة، وعليك أن تتحمل مسؤولية خطئك». الوقوع في الزنا شيء، ومعالجة آثار هذا الفعل شيء آخر.. لا تلازم بين الأمرين. أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، قال حديثا إنه «لا يوجد نص صريح في القرآن أو السنة يبيح أو يحرم الإجهاض، وإن الفقهاء اختلفوا تاريخيا حول هذا الموضوع، حتى إن بعضهم اعتبر مجرد العزل عند الجماع قتلا للأجنة المفترضة، كما اختلفوا حول المدة الزمنية التي تنفخ فيها الروح في الأجنة ما بين قائل بـ40 يوما وما بين قائل بـ120 يوما». 

الذي يبدو أن هناك اتفاقا مبدئيا حوله هو أن من حملت من اغتصاب أو زنا محارم، أو من وجدت تشوهات في جنينها، أو من يُخشى على صحتها من الحمل، يحق لهن قانونيا اللجوء إلى الإجهاض، لكن هذه الحالات لا تشكل إلا نسبة قليلة من الحالات التي تلجأ إلى الإجهاض السري، لهذا وجب البحث عن حلول قانونية واجتماعية في مجتمع يتأخر فيه سن الزواج إلى 31 سنة عند الذكور و28 سنة عند الإناث لأسباب اقتصادية… 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نقطة نظام ملكية نقطة نظام ملكية



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:39 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:31 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً
المغرب اليوم - اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib