ما عندي بو الوقت

ما عندي بو الوقت

المغرب اليوم -

ما عندي بو الوقت

بقلم : توفيق بو عشرين

لخص الصياد البسيط في ميناء الحسيمة نظرة المغاربة إلى الوزراء، وحجم انتظاراتهم من الحكومة، ونوع التقدير الذي يحتفظون به لحاملي الحقائب المملوءة بالوعود.. عندما قال الصياد سعيد للوزير عزيز أخنوش، الذي يدير وزارة شاسعة الاختصاصات منذ 11 سنة: «ما عندي بو لوقت باش نعرض عليك المطالب ديالي»، أي ليس لدي الوقت لكي أبسط أمامك كل مطالبي. مضى ذلك الزمن الذي كان المواطنون يتمنون فيه لقاء وزير أو عامل، أو حتى قايد، ليبسطوا أمامه دفتر مطالبهم. اليوم يقول الصياد للملياردير: ‘‘ليس لدي وقت أضيعه معك’’، وعندما سألنا سعيد عن مغزى عبارة «ماعندي بو لوقت» رد: «تلك العبارة لم تأت اعتباطيا، وهي محملة بمجموعة من المعاني، وقد فهمها الشخص المعني بالأمر، وفي النهاية، شكون بغا يكون هاد أخنوش؟ أنا لا أعرفه، ولا أراه إلا في التلفزة، وقبل الحراك لم نكن حتى نسمع به».

صاحب «ماعندي بو لوقت» تحدث بلسان قطاعات كبيرة من المواطنين لم يعودوا ينتظرون من الحكومة أو البرلمان أو الجهة أو العامل أو الوالي أو البرلماني أو رئيس البلدية أو رئيس الجماعة شيئا. إنه كفر شامل بالمؤسسات وبالوسطاء وبالمجالس وبالنقابات وبالأحزاب، ولهذا، يصر قائد حراك الريف، ناصر الزفزافي، اليوم، على عدم الحديث مع الوالي أو مع الحكومة، ويطالب بمبعوث خاص من الملك محمد السادس شخصيا للتفاوض معه حول مطالب الساكنة! وهذا النوع من التفكير لا يوجد عند الزفزافي فقط، بل هو عين المقاربة التي تتصرف بها الدولة، ولذلك، فإن أول جملة قالها وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، وهو يجتمع ببعض ممثلي السكان في الحسيمة، هي أنه مبعوث شخصيا من الملك، وأن «تعليمات صدرت عن جلالة الملك لكي يسافر ثمانية وزراء للاستماع إلى أهل الريف والاستجابة لمطالبهم».

نحن، إذن، أمام انهيار كامل لمؤسسة الحكومة، ولبنية التمثيل والوساطة، ولأجهزة إدارة الحكم المحلي والمركزي، وليس أمامنا، والحالة هذه، سوى خطاطة بسيطة ترجع إلى ما قبل ظهور الدولة الحديثة.. الملك يتعامل مع رعاياه مباشرة دون وسطاء، ولا مؤسسات، ولا بنيات، ولا ثقافة سياسية حديثة.

هذا العطب انتبه إليه الملك نفسه في خطابه الأخير أمام البرلمان السنة الماضية عندما قال: «يقال كلام كثير بخصوص لقاء المواطنين بملك البلاد، والتماس مساعدته في حل العديد من المشاكل والصعوبات. وإذا كان البعض لا يفهم توجه عدد من المواطنين إلى ملكهم من أجل حل مشاكل وقضايا بسيطة، فهذا يعني أن هناك خللا في مكان ما. أنا، بطبيعة الحال، أعتز بالتعامل المباشر مع أبناء شعبي، وبقضاء حاجاتهم البسيطة، وسأظل دائما أقوم بذلك في خدمتهم. ولكن، هل سيطلب مني المواطنون التدخل لو قامت الإدارة بواجبها؟ الأكيد أنهم يلجؤون إلى ذلك بسبب انغلاق الأبواب أمامهم، أو لتقصير الإدارة في خدمتهم، أو للتشكي من ظلم أصابهم».

هذا التشخيص لحال الحكومة والإدارة والمجالس المنتخبة ما هي أسبابه العميقة؟ ما الذي يجعل المغاربة اليوم في حالة يأس شديد من مؤسسات الحكم الحديثة، منتخبة وغير منتخبة؟ الجواب البسيط والشعبوي يقول: لأن المسؤولين الموجودين على رأس هذه المؤسسات أنانيون، فاسدون، عديمو الكفاءة، لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية، لا يقيمون وزنا للشعب، وتقريبا كلهم بلا أخلاق ولا رؤية ولا مشروع… والحقيقة أن هذا التوصيف بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة. جل هذه الاتهامات صحيح، وينطبق على أغلبية النخب السياسية والتقنوقراطية، لكن ليس هذا هو العامل الرئيس لشلل مؤسسات الحكم المركزي والمحلي في الاضطلاع بمهماتها. السبب الرئيس هو أننا نملك واجهات الحكم الديمقراطي ولا نملك جوهر الديمقراطية، مثل شخص لديه هيكل سيارة كبيرة وجميلة، لكن لا محرك فيها، أو بها محرك صغير لا يقوى على جر العربة.

منذ الاستقلال وهم الدولة الأول هو محاربة الأحزاب والنقابات والجمعيات والصحافة والانتخابات الحرة والتمثيلية النظيفة والتعددية الحقيقية.. منذ الاستقلال والسلطة تجمع الصلاحيات والاختصاصات والمشروعيات في يد واحدة.. وها هي النتيجة أمامكم اليوم، ليس هناك، في كل المملكة التي يعيش فيها 34 مليون نسمة، إلا شخص واحد يعرفه الناس، ويثقون به، ويشكون إليه ظلم القضاء والإدارة والقنصلية والوزارة والمحافظة العقارية، وحتى الأبناك الخاصة.. شخص واحد يدق المغاربة باب قصره كل يوم، ويتربصون بتحركاته، ويحررون الرسائل إليه، ويحلمون بلقائه… هذا حال سلطان مع الرعية قبل 500 سنة، وليس حال ملك دستوري في دولة عصرية مع شعب يعيش زمنه وقيم عصره.

إذا كان الملك نفسه انتبه إلى هذا الخلل، وحمل المسؤولية للإدارة وللمنتخبين الذين لا يقومون على خدمة المواطن، ويجبرونه على التوجه إلى الملك واعتراض سيارته، وبعث الرسائل إلى ديوانه، فكيف السبيل إلى استعادة روح المؤسسات، وثقة الناس وأملهم في دولتهم، حتى لا يقول المغربي، من طنجة إلى الكويرة، «ماعندي بو لوقت» للحديث مع الحكومة أو مع الدولة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما عندي بو الوقت ما عندي بو الوقت



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib