متى نزرع الروح الديمقراطية في جسد الانتخابات

متى نزرع الروح الديمقراطية في جسد الانتخابات؟

المغرب اليوم -

متى نزرع الروح الديمقراطية في جسد الانتخابات

توفيق بوعشرين

بدأ موسم إطلاق الوعود الانتخابية وكتابة البرامج، واختيار الشعارات والرموز والألوان والخطب والحفلات… كل هذا استعدادا للانتخابات الجماعية المقبلة بداية شتنبر، حيث يتبارى حوالي 36 حزبا على 27 ألف مقعد جماعي. الفئات المستهدفة من الحملة الانتخابية حوالي 14 مليونا من المسجلين في اللوائح الانتخابية، من أصل 26 مليونا حاصلين على البطاقة الوطنية، ما يعني أن المغرب سيدخل إلى الانتخابات وهو فاقد من البداية 12 مليونا لم يروا ضرورة لتسجيل أنفسهم في اللوائح الانتخابية، وإذا كنّا متفائلين، فإن حوالي 50٪ إلى 55٪ ستشارك في الانتخابات المقبلة، ما يعني أن الرهان يدور بين الأحزاب على استقطاب أصوات سبعة ملايين لا أكثر للتصويت يوم 4 شتنبر لاختيار ممثلي السكان في المجالس البلدية والقروية بالإضافة إلى مجالس الجهات، حيث لأول مرة سيدعى الناخبون إلى التصويت مرتين في اليوم نفسه وبالبطاقة نفسها…

هنا نبدي جملة ملاحظات على هذا الاستحقاق الذي سيكون له ما بعده:

أولا: نسبة المشاركة الانتخابية مازالت ضعيفة في المغرب، فمن أصل 26 مليونا يحق لهم التصويت في الانتخابات، لن يشارك، في أفضل الأحوال، سوى سبعة ملايين مواطن، وضمن هذا العدد هناك عدد كبير من الأصوات التي ستلغى، وهناك عدد من الأصوات يقودها الأعيان إلى صناديق الاقتراع تحت إغراء المال أو الخدمات الاجتماعية أو الوجاهة… وفي النهاية، لن تبقى لنا إلا نسبة قليلة من المواطنين الذين يصوتون سياسيا بناء على وعي وإدراك وتمييز بين الأحزاب، وهذا ما يجد عمق أزمته في ضعف التسييس في المجتمع المغربي، حيث لا تزيد هذه النسبة على 10٪ وضمنها المتعاطفون مع الأحزاب والنقابات والجمعيات.

ثانيا: انتخاباتنا انتخابات أفراد لا برامج، أشخاص لا أفكار، وجوه لا أحزاب، لهذا لا يتعب أحد نفسه في وضع برامج، أو التفكير في حلول للمشاكل القائمة، فالأحزاب تكتفي بالشعارات عن التنمية والشغل والنظافة والطرق والمواصلات، والناخبون لا يبحثون عن برامج ولا عن أفكار يعرفون أن الأحزاب لن تطبقها، وأن المجالس كلها تبنى بالتحالفات المعقدة بين الأحزاب والمفاوضات والمقايضات وسياسة «عطيني نعطيك»، إذن، لماذا البحث عن برامج لا تصلح لشيء؟ فمادام رئيس المجلس البلدي يسمح له القانون أن يكون أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، فلماذا نطلب منه وضع برنامج هو نفسه غير قادر على قراءته، فما بالك بتطبيقه؟ هذا يعني أن المواطنين يصوتون والأحزاب تفوز، والذي يضع البرنامج الذي يطبق خلال ولاية المجالس ثلاثة أطراف: أولها الملك من خلال المخططات المهيكلة التي يطلقها لإعادة تأهيل المدن قبل أو بعد الانتخابات، بمساعدة الإدارة الترابية والقطاعات الوزارية والصناديق السيادية. ثاني طرف يضع البرنامج الذي يطبق خاصة في مجالس المدن هو لوبيات المصالح الذين يستفيدون من العقار أو بناء الطرق أو توريد الماء والكهرباء، أو الشركات المكلفة بتقديم خدمات الصيانة والتجهيز والبناء. هؤلاء، مع شبكة المصالح التي أنشؤوها لسنوات طويلة، هم الذين يوجهون المشاريع والمقترحات والبرامج من وراء الستار لخدمة مصالحهم. ثالث طرف يضع البرامج هو الارتجال وسياسة الترقيع والتحرك الموسمي، حسب الظروف والأحوال ومخططات المنتخبين الذين يرسمون طريق عودتهم إلى المجالس عن طريق مأسسة سياسة الإحسان والصدقة، وأعمال الخير التي تقدم لشريحة دون أخرى، حسب قربها أو بعدها عن رئيس المجلس البلدي.

ثالثا: السلوك الانتخابي، خاصة في الانتخابات الجماعية، لا جزاء فيه ولا عقاب، أي أن المواطن لا يستعمل صوته كسلطة لمحاسبة الحزب أو الأحزاب التي فشلت في تدبير المدن والقرى، كما أنه لا يتجه إلى مجازاة الذين عملوا بجد على خدمة المواطنين ولو بوسائلهم المحدودة. أظهرت دراسة، قامت بها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد السنة الماضية، أن أكثر من 80٪ من المواطنين لا يعرفون رؤساء المجالس البلدية، ولا يبحثون عن انتماءاتهم الحزبية، وأن الناس، على العكس من ذلك، ينشغلون بأسماء العمال والولاة الذين تعينهم وزارة الداخلية ليديروا المدن والعمالات والأقاليم، أكثر مما يهتمون بالمنتخبين، لهذا توجد في بلادنا انتخابات لكن لا توجد ديمقراطية، وتوجد صناديق اقتراع لكنها مفصولة عن جوهر الإرادة الشعبية. طبعا هناك استثناءات قليلة، لكن الاستثناء لا حكم له.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متى نزرع الروح الديمقراطية في جسد الانتخابات متى نزرع الروح الديمقراطية في جسد الانتخابات



GMT 15:36 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

الرئيس والمهاجر

GMT 15:34 2025 الأحد ,08 حزيران / يونيو

شجر الظلال

GMT 15:33 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

هل يتعلَّم لبنان من حكومة الشرع؟

GMT 15:31 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

“الوهّابيّون” في المسجد الأُمويّ.. مكر التّاريخ

GMT 15:29 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

الكاميرات... و«الأخ الأكبر»

GMT 15:28 2025 الأحد ,08 حزيران / يونيو

الإمساك بالحزب الماسكي الوليد!

GMT 15:27 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

بيروت ودمشق وتحدي الدولة الطبيعية

GMT 15:26 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

ملاقاة التحول والفرص المهدورة

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 12:53 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

لجين عمران بإطلالة صيفية أنيقة باللون البيج
المغرب اليوم - لجين عمران بإطلالة صيفية أنيقة باللون البيج
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib