روسيا وإيران والتراخي الأميركي في سوريا

روسيا وإيران.. والتراخي الأميركي في سوريا

المغرب اليوم -

روسيا وإيران والتراخي الأميركي في سوريا

خيرالله خيرالله

كلّما مرّ الوقت، يتبين أن التدخل الروسي في سوريا يطرح مزيدا من الأسئلة التي لا أجوبة عنها، أقله في المدى المنظور. هناك كلام لوزير الخارجية في النظام السوري وليد المعلم يوحي بأن بشار الأسد يمكن أن يطلب من موسكو إرسال جنود إلى سوريا. هذا الكلام الصادر عن المعلم غير دقيق، على الرغم من أنّه يترافق مع تأكيد ناطق باسم الكرملين لوجود رغبة روسية في إرسال قوات إلى الأراضي السورية.

يفتقد كلام المعلم الدقة لسبب بسيط عائد إلى أن هناك قوات روسية في سوريا، خصوصا في منطقة الساحل. القوات موجودة في اللاذقية ومحيطها تحديدا، وفي طرطوس أيضا. يبلغ عدد الجنود الروس، الآن، نحو ألفين وهم يساعدون الميليشيات التابعة للنظام في منع سقوط المنطقة العلوية، التي تظن روسيا أنّ في استطاعتها وضعها تحت وصايتها، سواء بقي بشّار الأسد أو رحل.

لم يكن لروسيا أن تزيد حجم تدخلها في سوريا، مع الإصرار على جعله علنيا، لولا شعورها في الأسابيع القليلة الماضية أن مصير الأسد الابن صار مطروحا بشكل جدّي. لذلك كان عليها طمأنته بوضعه في ضوء رغبة الرئيس فلاديمير بوتين في استغلال الأسد الابن إلى أبعد حدود ممكنة… أي أنّه يريد عصره حتى آخر نقطة.

لم يعد رئيس النظام يسيطر على شيء في سوريا، خصوصا أن لدى الإيرانيين وأداتهم المسماة “حزب الله”، الذي ليس سوى ميليشيا مذهبية لبنانية تابعة لـ“الحرس الثوري” الإيراني، حسابات خاصة بهم.

تقوم هذه الحسابات على الاستيلاء على أكبر مساحة من الأراضي والعقارات في دمشق ومحيطها… وصولا إلى الزبداني والغوطتيْن، على أن يكون هناك انتقال لسكان القرى الشيعية القريبة من حلب وإدلب إلى العاصمة ومحيطها. هذا لا يعني، أقلّه إلى الآن، أن هناك تضاربا في المواقف بين طهران وموسكو. على العكس من ذلك، يبدو أن هناك توزيعا للأدوار بينهما في وقت بات جزء من الأراضي السورية منطقة نفوذ تركية عاصمتها حلب.

ليس سرّا أن من بين الأسباب التي أدّت إلى وقف “جبهة النصرة” تمددها في اتجاه قرى علـوية لا تبعد كثيرا عـن القرداحة وجود ضغوط تركية على الجبهة. هذه الضغوط عائدة أساسا إلى أنّ الأولويات التركية تندرج في سياق حسابات معقّدة. تأخذ هذه الحسابات في الاعتبار مستقبل العلاقة مع العلويين في سوريا من جهة، والمواجهة المفتوحة بين أنقرة والأكراد من جهة أخرى.

كذلك، لم يعد سرّا أن الإدارة الأميركية حائرة من أمرها. لا تشبه إدارة باراك أوباما سوى إدارة جيمي كارتر الذي امتحنته إيران أواخر سبعينات القرن الماضي، واكتشفت أنّ لا وجود لديه لأي نيّة في مواجهة من أي نوع كان… مع أيّ طرف كان.

بوتين، بدوره امتحن أوباما وتأكّد له أنّ في استطاعته الذهاب بعيدا في تحدّيه، أو احتوائه، سواء أكان ذلك في أوكرانيا أو في سوريا. أمّا إيران، فهي تعتبر أنّ الاتفاق في شأن ملفّها النووي مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا، هو الإنجاز الوحيد لإدارة أوباما. إنّه في الواقع إنجاز إيراني لا أكثر. إنّه إنجاز إيراني صار موضع فخر لدى الإدارة الأميركية!

ليس لدى أي سوري أي وهم في شأن ما إذا كان أوباما على استعداد لتحدي إيران في سوريا، وحتّى في لبنان، وذلك حرصا على الاتفاق المتعلّق بالملفّ النووي الذي يبدو الرئيس الأميركي مستعدا لحمايته برموش العين…

ثمّة بديهيات غريبة، يبدو أنّ الإدارة الأميركية باتت تلتزمها. في مقدّمتها الاستعداد لمراعاة إيران وروسيا إلى الحدّ الأقصى في سوريا. هناك اعتراف أميركي بأنّ سوريا منطقة نفوذ إيرانية ـ روسية ـ تركية. هذا ما يفسّر، إلى حد كبير، التراجع الأميركي عن أيّ رد فعل في أغسطس من عام 2013، عندما استخدم بشّار الأسد السلاح الكيميـائي في الحرب التي يشنّها على شعبه.

استطاع فلاديمير بوتين، الذي كتب، وقتذاك، مقالا في “نيويورك تايمز” يدعو فيه أوباما إلى التعقّل والتركيز على مواجهة الإرهاب، منع توجيه ضربة إلى النظام السوري تشلّ في أقلّ تقدير مطاراته.

قبل الرئيس الأميركي، الذي كان يعتبر السلاح الكيميائي “خطا أحمر” ويشدّد على رحيل الأسد الأبن، استخدام البراميل المتفجرة في قتل السوريين. رفع أوباما شعار “لا للسلاح الكيميائي… نعم للبراميل المتفجّرة”. مرّر الرئيس الروسي على أوباما ما يريد تمريره، كذلك فعلت إيران التي اكتشفت، أخيرا، مدى صعوبة تشييع العلويين في سوريا وغير سوريا.

ما نشهده حاليا هو بحث في كيفية التنسيق من أجل مواجهة “داعش” وذلك من أجل ضمان بقاء الإدارة الأميركية في مركب واحد مع الروسي والإيراني، والذهاب إلى النهاية في لعبة تقاسم النفوذ في سوريا. صار هذا الأمر قابلا للتحقيق، خصوصا أنّه لم يعد يوجد في موسكو وطهران من يحمل كلام أوباما على محمل الجدّ منذ تراجع عن توجيه ضربة إلى النظام السوري.

سيرحل الأسد الابن. سيرحل عاجلا أم آجلا، حتّى لو كان يعتقد أن الكرملين لا يمكن أن يتخلى عنه يوما. سيذهب الرئيس الروسي بعيدا في مغامرته السورية، كذلك ستفعل إيران، خصوصا أنّ ليس في واشنطن من يريد الاعتراف بالدور الذي لعبه النظام السوري في نشوء داعش وتمدّده. ليس في واشنطن من يريد العودة قليلا إلى الخلف للتأكد من أنّ بشار وداعش وجهان لعملة واحدة، وأن الحرب على النظام السوري، بهدف الانتهاء منه، جزء لا يتجزّأ من الحرب على الإرهاب.

هذا التراخي الأميركي الذي يعكس تفهّما للمصالح الروسية في سوريا، خصوصا لجهة منع تمرير أنابيب الغاز الخليجي في أراضيها، أدّى إلى نتائج سلبية تهدّد الاستقرار الإقليمي.

في غياب الدور الذي يفترض أن تلعبه القوة العظمى الوحيدة في العالم، لا يعود مستغربا استمرار عملية تقسيم سوريا وتفتيتها. ليس مستغربا أيضا ما تفعله إيران في لبنان حيث شلل حكومي وحراك شعبي لا يستفيد منه سوى “حزب الله” الذي يصرّ على تعديل اتفاق الطائف وإحلال “المثالثة” مكان “المناصفة” بين المسلمين والمسيحيين، وتكريس سلاحه المذهبي سلاحا شرعيا، بل أكثر شرعية من سلاح الدولة اللبنانية.

في ظلّ التراخي الأميركي، أيضا وأيضا، ليس مستغربا ما تقوم به إسرائيل في القدس حيث تحاول تغيير وضع المسجد الأقصى وفتح حرمه أمام المتطرّفين اليهود أيضا.

لم يعد هناك من شيء مستغرب في الشرق الأوسط منذ الزلزال العراقي الذي افتعلته إدارة جورج بوش الابن في العام 2003 ومنذ قرّرت إدارة أوباما الاكتفاء بالتفرّج على ترددات هذا الزلزال، وهي ترددات ليس ما يشير إلى أنّها ستهدأ قريبا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا وإيران والتراخي الأميركي في سوريا روسيا وإيران والتراخي الأميركي في سوريا



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 01:02 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر
المغرب اليوم - زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib