مستحيلات يمنيّة… بعد ربع قرن على الوحدة

مستحيلات يمنيّة… بعد ربع قرن على الوحدة

المغرب اليوم -

مستحيلات يمنيّة… بعد ربع قرن على الوحدة

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

في المدى الطويل يستحيل تعايش الأعضاء الستة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع الوجود العسكري والسياسي لإيران في شبه الجزيرة العربيّة. لا هدف لهذا الوجود غير ابتزاز دول المنطقة.

بقي من اليمن، بعد ربع قرن على إعلان الوحدة في 22 أيار – مايو 1990، بلد متشظّ يبحث عن مكان له في المعادلة الإقليمية الجديدة في المنطقة. تشمل هذه المعادلة الجديدة، في طبيعة الحال، شبه الجزيرة العربيّة كلّها ومستقبل دولها. يعود ذلك إلى أنّه بات لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانيّة موطئ قدم في شمال اليمن، على غرار موطئ القدم الذي كان للاتحاد السوفياتي في الجنوب اليمني بين مطلع سبعينات القرن الماضي حتى السنة 1990.

يستحيل، في المدى الطويل، تعايش دول المنطقة، أي الأعضاء الستة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع الوجود العسكري والسياسي لإيران في شبه الجزيرة العربيّة. لا هدف لهذا الوجود الإيراني غير ابتزاز دول المنطقة عبر الحوثيين لا أكثر.

كانت الوحدة بمثابة خشبة الخلاص لليمن في مرحلة كان فيها الجنوب، بنظامه الماركسي، في وضع لا يحسد عليه في ضوء “أحداث 13 يناير 1986” التي أسفرت عن انهيار الدولة وانقسام في المجتمع والجيش وبين المناطق. أدت تلك الأحداث، التي كانت بين الإشارات الأولى لانهيار الاتحاد السوفياتي، إلى خروج علي ناصر محمّد الذي ينتمي إلى محافظة أبين من السلطة. في الواقع خرجت كلّ أبين من السلطة، كذلك شبوة وجزء من عدن.

◄ إيران عرفت لعب أوراقها في اليمن وخرجت منتصرة من الصراع بين علي عبدالله صالح والإخوان المسلمين وسقطت الوحدة اليمنية التي من دونها لم يكن ممكنا ترسيم الحدود بين اليمن وجيرانه

ليس انهيار الاتحاد السوفياتي الذي يرمز إليه سقوط جدار برلين، في خريف العام 1989، وحده الذي سهل الوحدة اليمنية. يوجد عامل آخر هو العامل العراقي. دعم صدام حسين الوحدة نكاية بدول أخرى في المنطقة بعدما بدأت تظهر توترات بينه وبين هذه الدول الخليجية. بلغت هذه التوترات ذروتها عندما احتل الكويت صيف العام 1990 كاشفا تمتعه بغباء سياسي لا حدود له!

أعادت الوحدة اليمنية الاعتبار إلى اليمن. أنقذت الوحدة الجنوب من التفتت ومن مزيد من الحروب الداخليّة. هرب أهل النظام إلى الوحدة، على الرغم من التسرع الذي شاب الوصول إليها. قاد عملية التسرّع هذه علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب. أدرك البيض باكرا أن لا بديل من الوحدة بعدما استوعب معنى فشل الاتحاد السوفياتي في استيعاب الأزمة الداخلية التي تفجرت بشكل حرب أهلية في بداية العام 1986.

عرف علي عبدالله صالح كيف يستفيد إلى أبعد حدود من انهيار النظام في الجنوب، وهو انهيار توضحت معالمه في العام 1986. لم يتدخل مع طرف ضدّ آخر، على الرغم من استضافته علي ناصر محمّد في صنعاء. انتظر اليوم الذي لن يجد فيه النظام في “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” غير خيار الوحدة. هذا ما حصل بالفعل بدءا من نهاية العام 1989.

قامت الوحدة اليمنيّة في ضوء التقاء المصالح بين نظامين لم يكن هناك ما يجمع بينهما. كان لكلّ من النظامين أجندة خاصة به. كانت “الجمهورية العربيّة اليمنية”، ممثلة بعلي عبدالله صالح، تريد استيعاب الجنوب. أمّا الجنوب ممثلا بعلي سالم البيض فكان يسعى إلى إنقاذ أهل النظام أوّلا وإيجاد صيغة للمشاركة في السلطة ثانيا وأخيرا. كان هناك في كلّ وقت طرف ثالث يمتلك أجندة خاصة به. كان هذا الطرف الثالث تنظيم الإخوان المسلمين الذي أعدّ نفسه، عبر حزب التجمع اليمني للإصلاح وتحت عباءة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، أقوى الزعماء القبليين في الشمال، لذلك اليوم الذي سيفترق به علي عبدالله صالح عن علي سالم البيض الذي وقع معه اتفاق الوحدة في عدن.

دفع اليمن غاليا ثمن الصدام بين الحسابات الداخلية اليمنية. دفع البلد، ومعه الوحدة، ثمن الطلاق بين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض. أدى ذلك إلى حرب صيف 1994، التي نقلت الوحدة إلى مكان آخر، في ضوء خسارة الجنوبيين تلك الحرب. بعد حرب 1994 وسقوط عدن في يد قوات الجيش اليمني التابع لعلي عبدالله صالح، الذي حظي بدعم ميليشيات إسلامية تابعة لحزب الإصلاح، بدأ صدام بين حسابات من نوع آخر مع رغبة الإخوان المسلمين في الاستيلاء على السلطة.

◄ أعادت الوحدة اليمنية الاعتبار إلى اليمن. أنقذت الوحدة الجنوب من التفتت ومن مزيد من الحروب الداخليّة. هرب أهل النظام إلى الوحدة، على الرغم من التسرع الذي شاب الوصول إليها

بين 1994 و2010 شهد اليمن صراعا مكشوفا بين علي عبدالله صالح والإخوان المسلمين على خلفية صعود دور الحوثيين الذين دعمهم علي عبدالله صالح في البداية. ما لبث الرئيس الراحل أن خاض بين 2004 و2010 ست حروب مع الحوثيين بعدما أدرك أنّ “الحرس الثوري” خطفهم منه بمساعدة من “حزب الله” الذي بات له وجود قويّ في اليمن.

عرفت “الجمهوريّة الإسلاميّة” لعب أوراقها في اليمن. خرجت منتصرة من الصراع بين علي عبدالله صالح والإخوان المسلمين. سقطت عمليا الوحدة اليمنية، التي من دونها لم يكن ممكنا ترسيم الحدود بين اليمن وسلطنة عُمان وبين اليمن والمملكة العربيّة السعوديّة.

ماذا عن الوضع اليمني بعد ربع قرن من إعلان الوحدة؟ كلّ ما يمكن قوله، أوّلا، أنّ لن تكون ممكنة عودة اليمن إلى دولة تحكمها سلطة مركزية من صنعاء. لا مفرّ من صيغة جديدة لليمن في ظلّ نوع من أشكال الوحدة. الصيغة السابقة، صيغة ما قبل العام 2010 سقطت نهائيا. سقطت، ثانيا، صيغة العودة إلى دولتين مستقلتين كما كانت عليه الحال قبل الوحدة.

يتمثل المستحيل الثالث في بقاء الكيان الإيراني في شمال اليمن. لن يبقى هذا الكيان، على الرغم من أن الحوثيين جزء لا يتجزّأ من المكون اليمني. تظلّ المشكلة الأساسية التي ستواجه إيران في اليمن غياب أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو تربوي يخص المنطقة التي تحت سيطرتها. لا مشروع إيرانيا آخر في اليمن غير نشر البؤس وممارسة لعبة الابتزاز للدول العربيّة في المنطقة والمزايدة في كلّ ما له علاقة بفلسطين وغزّة كما هو حاصل حاليا.

ثمة واقع يمني جديد ولد من رحم الوحدة، واقع لا يمكن الهرب منه. لن تستطيع إيران بدورها الهرب من هذا الواقع.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستحيلات يمنيّة… بعد ربع قرن على الوحدة مستحيلات يمنيّة… بعد ربع قرن على الوحدة



GMT 06:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماذا تبقى من ذكرى الاستقلال في ليبيا؟

GMT 05:54 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مقتل الديموغرافيا

GMT 05:51 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

فتنة الأهرامات المصرية!

GMT 05:49 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟

GMT 05:46 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هل انتهى السلام وحان عصر الحرب؟!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 16:10 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
المغرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:17 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

"تارا عماد" تخوض تجربة الغناء لأول مرة دراميا
المغرب اليوم -

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 13:03 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي السبت 26-9-2020

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:35 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

المغرب الفاسي ينتصر وديًا على وداد صفرو

GMT 08:22 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

النفط يتدفق مجددًا بخط مأرب في اليمن

GMT 14:32 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

البولندية سواتيك تبلغ نهائي بطولة فرنسا المفتوحة للتنس

GMT 12:34 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الوداد يحاصر مدرب الفريق بالأسئلة بعد صدمة الديربي

GMT 06:31 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هذه توقعات "الأرصاد الجوية" لطقس المملكة المغربية الأحد

GMT 09:09 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

سيدة تعثر على عظام بشرية داخل جوارب متجر شهير في بريطانيا

GMT 08:30 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

7 لاعبين يغيبون عن أولمبيك خريبكة أمام مولودية وجدة

GMT 11:35 2018 الخميس ,27 أيلول / سبتمبر

الجزائر تطلق بوابة إلكترونية للترويج للسياحة

GMT 23:21 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

"جورجيا" وجهة سياحية مثالية للاستمتاع بالثلوج
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib