لبنان و«امتحان السلاح»

لبنان و«امتحان السلاح»

المغرب اليوم -

لبنان و«امتحان السلاح»

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

بين إصرار «العهد» على حصر السلاح بيد الدولة، وعودة «حزب الله» إلى تمسكه بسلاحه وإعادة إنتاج محرماته السابقة، والتذكير بالعبارة الشهيرة بأن «اليد التي ستمتد إليه ستُقطع»، يواجِه لبنان - دولةً وشعباً وجماعاتِ طائفيةً وحزبيةً - تحدِّيَين متقابلين لا يمكن فصلهما عن أمرين؛ الأول: توجّه رسمي نحو التماهي مع نظام إقليمي جديد صارم في فرض قواعده السياسية والاستراتيجية، لا سيما ما يتعلق باحتكار الدولة «العنف». الثاني: قوى سياسية وطائفية كانت تستند إلى تضخم قوتها الذاتية والدعم الخارجي، وتفرض التعامل معها كأنها «فوق الدولة»، وتحاول الاحتفاظ بامتيازاتها.

هذه القوى العقائدية المسلحة في لبنان وخارجه، كان «حزب الله» يُمثل نموذجها المفرط في الدور والنفوذ، ثم تعرّض لمقتلة عسكرية واستراتيجية واجتماعية فرضت شروطها السياسية على التوازنات اللبنانية، نتيجة تداعيات حرب الإسناد وشروط اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل.

إلا إن «الحزب» يحاول التفلّت من التزاماته السابقة، وبدأ يربط مستقبل دوره بتطور المفاوضات في مسقط بين واشنطن وطهران، وما يمكن أن تحافظ الأخيرة عليه من دور خارجي يمنحها مكسب مقايضة السلاح بحصتها، أو حصة من يدور في فلكها في أماكن وجوده، بحيث يمكن عَدُّ الحالة اللبنانية النموذجَ الأول لإمكانات التفاهم الإيراني - الأميركي.

فعلياً، يواجه لبنان - دولةً وشعباً - توجهين: الأول يَعدّ الدعوة إلى حصر السلاح بيد الدولة مسؤولية وطنية وضرورة لتفادي ضرائب قد يدفعها لبنان دولةً وشعباً، وليس فقط من يتمسك به. أما الثاني، فهو يرفض فك الارتباط بين «السلاح والعقيدة»، بحسبانه الحامي والضامن الوحيد لهذه الجماعة الطائفية أو العقائدية، وبدأ يربطه بعقائد غيبية، كما قال أحد نخب «حزب الله» من أن سلاح «الحزب» مرتبط بظهور الإمام المهدي.

بعد حرب «الإسناد»، ينشغل «حزب الله» بحماية أمرين: بيئته الحاضنة، وما تبقى من سلاحه، ويحاول إعادة إنتاج خطاب داخلي قاسٍ يربط بين الأمرين، ويربط حمايتهما كليهما بالآخر، ويدفع مجدداً إلى عسكرة الهوية العقائدية لحاضنته التنظيمية، التي انعكست على الهوية العقائدية للطائفة الشيعية، وهذا ما سيمكنه من إضفاء خط أحمر على سلاحه وعلى مهامه الداخلية.

أقام السلاح في وجدان أهل الجنوب بصفته «سلاح المقاومة» الذي حرر الأرض ويردع العدو، والذي «نقل الخوف من جنوب لبنان إلى الشمال (فلسطين المحتلة)»، فأصبح الدفاع عن السلاح دفاعاً عن المقاومة، والدفاع عن المقاومة دفاعاً عن «الحزب»، والدفاع عن «الحزب» دفاعاً عن الطائفة... حتى سقطت معادلة الردع، وحصل ما حصل في حرب الإسناد، وعاد الخوف إلى الجنوب وما بعده، وتحول فائض القوة إلى فائض في الآلام، فباتت الطائفة بأغلبها في معادلة جديدة أكثر قسوة هي: «خوفها على السلاح» و«خوفها من السلاح».

إذن، السؤال الذي يطرح نفسه بعد حرب «الإسناد» هو: هل سقط «حزب الله» في امتحان السلاح، وأخفق أمام حاضنته وطائفته وأنصاره أولاً، وبقية اللبنانيين من خصوم أو معارضين ثانياً، وفي إثبات قدرة الردع أو فرض ما وصفه بـ«توازن الرعب»، الذي ادّعاه لعقود أمام العدو، الذي اعتاد أن يوقفه على «قدم ونصف»؛ كما كانت آلته الدعائية تروّج على مدى سنوات، فيما يستمر العدو في اعتداءاته؛ من جنوب لبنان إلى بقاعه الشمالي، مروراً بضاحية بيروت، من دون أي رادع أو قدرة على إيقافه؟

بين «الخوف على السلاح» و«الخوف من السلاح»، يواجه «الحزب» وبيئته وطائفته وأنصاره محنة القوة وفقدان الغلبة، فلا يملك أحد القدرة على ردع إجرام إسرائيل وغطرستها، ولا البقاءُ على قيد الحياة يكفي لإعلان الانتصار، ولا ما يروّج له بشأن فشل إسرائيل في دخولها البري يُعيد إنتاج معادلة الردع.

وعليه؛ ففي أدبيات «الحزب» الحالية وسردياته الجديدة محاولات مبكرة للربط مجدداً بين الطائفة وموقعها وقوتها و«السلاح». هذا الربط هو الأخطر على إعادة تكوين الدولة، وأيضاً هو الأخطر على الطائفة الشيعية التي يُربط دورها وشراكتها وحجمها فقط بالسلاح، الذي يبدو أن امتحانه صعب وتكلفته أصعب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان و«امتحان السلاح» لبنان و«امتحان السلاح»



GMT 16:11 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 16:07 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاستقرار في غزة

GMT 16:06 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الحالة الكروية

GMT 16:03 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 16:00 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 15:58 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 15:55 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 16:10 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
المغرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:17 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

"تارا عماد" تخوض تجربة الغناء لأول مرة دراميا
المغرب اليوم -

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 13:03 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي السبت 26-9-2020

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:35 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

المغرب الفاسي ينتصر وديًا على وداد صفرو

GMT 08:22 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

النفط يتدفق مجددًا بخط مأرب في اليمن

GMT 14:32 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

البولندية سواتيك تبلغ نهائي بطولة فرنسا المفتوحة للتنس

GMT 12:34 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الوداد يحاصر مدرب الفريق بالأسئلة بعد صدمة الديربي

GMT 06:31 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هذه توقعات "الأرصاد الجوية" لطقس المملكة المغربية الأحد

GMT 09:09 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

سيدة تعثر على عظام بشرية داخل جوارب متجر شهير في بريطانيا

GMT 08:30 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

7 لاعبين يغيبون عن أولمبيك خريبكة أمام مولودية وجدة

GMT 11:35 2018 الخميس ,27 أيلول / سبتمبر

الجزائر تطلق بوابة إلكترونية للترويج للسياحة

GMT 23:21 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

"جورجيا" وجهة سياحية مثالية للاستمتاع بالثلوج
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib