جغرافيا الانتداب الإيراني

جغرافيا الانتداب الإيراني

المغرب اليوم -

جغرافيا الانتداب الإيراني

بقلم مصطفى فحص

 التصريح الأخير الذي أدلى به المستشار العسكري لمرشد الجمهورية الإيراني السيد علي خامنئي، القائد السابق في الحرس الثوري الجنرال يحيى رحيم صفوي، عن «تمدد خط الدفاع الإيراني من الحدود مع العراق ليصبح في جنوب لبنان عند الحدود مع إسرائيل»، إضافة إلى تصريح سابق كان قد أعلن فيه صفوي أن «ساحل البحر الأبيض المتوسط يمثل العمق الاستراتيجي لبلاده»، يأتيان مجتمعين بعد غياب عن مناطق حوض المتوسط استمر قرابة 2500 عام.
ويشكل تصريح صفوي الأخير إعلانا صريحا عن شروع إيران في فرض انتداب واضح المعالم على دول المنطقة، يبدأ من العراق ويمر بسوريا ويصل حتى جنوب لبنان، ويتشعب نحو أفغانستان واليمن والسودان وغزة، ويطمح إلى إقناع المجتمع الدولي، خصوصا الولايات المتحدة بالاعتراف به، ويجبرهما على التعامل مع طهران على أساس هذا التمدد الجيوسياسي. لكن الدول العربية اليوم، رغم ترهلها، ليست على شاكلة السلطنة العثمانية المريضة قبل مائة عام، كما أن إيران ليست بحجم فرنسا وبريطانيا قوة ومكانة، لكي تقدم نفسها ناظما حتميا لواقع جغرافي جديد لم يتبلور بعد في شرق المتوسط، كذلك ليس في نية واشنطن وغيرها إعادة صفة شرطي الخليج لطهران، فسلامة منابع الطاقة وحماية ممراتها واستقرار أنظمتها، مسألة على درجة كبيرة من الحساسية بالنسبة للمجتمع الدولي، تلغي أحلام طهران بالشراكة أو تقاسم النفوذ.
في المقابل، تصر طهران على لعب دور الوكيل في المنطقة، وتحلم بأن تصبح دولة انتداب، لهذا تدفع بكل ما لديها من إمكانات ووسائل عقائدية سياسية ومادية وعسكرية، لفرض زمن إيراني جديد، مستفيدة من التغييرات التي سببها؛ أولا الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، والانتفاضات العربية منذ أربع سنوات، ثانيا.
وفي حين تحتاج الشعوب العربية المنتفضة إلى عقود من أجل بلورة أنظمة وطنية جديدة، بعد التغييرات الجذرية التي أحدثتها الثورات في أنظمتها السياسية، ودفعتها إلى الخروج من ثوابت مائة عام من الموروث العثماني المستقر في السياسة والجغرافيا، تعتقد طهران أنها الثابت الوحيد في الجغرافيا السياسية في المنطقة.
من جهة ثانية، اعترف صفوي في تصريحه، ومن حيث لا يدري بأن «الأزمة السورية هي أحد الأحداث العظيمة في التاريخ المعاصر»، فهي بالنسبة له ولنظامه حسب رأيه طبعا، مواجهة بين محور يحمل أفكارا غربية صهيونية وعربية، وآخر هو إيران والعراق وحزب الله، أضاف إليهما روسيا والصين. والمفارقة الخطيرة هنا أنه ساوى بين الصهيونية والعروبة واعتبرهما، إضافة إلى الأفكار الغربية، أعداء للمحور الذي تتزعمه طهران، وهذا ما أوقعه في المحظور، حيث ربط مذهبيا بين بلاده والعراق وحزب الله، بينما رفض الاعتراف بالانتماء العربي لسوريا، وربطها بنظام المصالح الإيرانية، مما يحول سوريا إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات المذهبية، والصراعات القومية والطائفية، حيث تحدد فيها خيارات المنطقة ومستقبلها، وحيث يصعب على اللاعبين التراجع.
لقد انسحبت واشنطن من العراق تاركة طهران تغرق وحدها في شياطين التفاصيل، فسقط الكيان العراقي وتشظت الدولة وأصبحت عبئا على طهران. في لبنان، انقلبت طهران على التوازن الوطني، ففشل حزب الله في إدارة حكومة اللون الواحد التي فرضها على اللبنانيين، في الأزمة السورية انحازت إلى جانب الأسد ضد الشعب السوري، وحاربت إلى جانبه، مخلفة بلدا مدمرا غير قابل للحياة على مدى السنوات المقبلة.
ولتوصيف الانتداب الإيراني أو الطموحات «الكولونيالية» الجديدة، التي يبدو أنها تبني مجدها على دمار الآخرين، لا بد من الاستعانة بما كتبه الزعيم السياسي اللبناني وليد جنبلاط في مقالته «زمان الوصل بالأندلس» الذي نشرته صحيفة «القبس» الكويتية، حيث وصف مهندس النفوذ الإيراني الخارجي الجنرال قاسم سليماني «مستثمرا ومهندسا معماريا عظيما، متخصصا في التصميم الريفي، الذي قد يكون مهتما ببناء متحف في غرينيكا بالقرب من متحف غوغنهايم، حيث يمكنه عرض المخططات الجديدة لمدينتي حلب وحمص وأجزاء من سوريا».
نقلا عن الشرق الأوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جغرافيا الانتداب الإيراني جغرافيا الانتداب الإيراني



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib