إيران ليست كوريا الشمالية

إيران ليست كوريا الشمالية

المغرب اليوم -

إيران ليست كوريا الشمالية

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

صفيح المنطقة الساخن بات رهناً باللاعبين الكبار فيه، فهو يزداد سخونةً في منطقة أو قضية أو ملف، ولكنه يبرد في غيرها، وهنا تفترق السياسات والاستراتيجيات والرؤى، ويزداد تدافع الخصوم والمتنافسين، انكساراً وطموحاً، ما يجعل العاقل حذراً في مثل هذه اللحظات من تاريخ البشرية في منطقتنا.

قبل سنواتٍ ست، وفي 2019، كتب كاتب هذه السطور في هذه الصحيفة وهذه المساحة مقالة أشرت فيها إلى أنَّ إيران بحاجة للاهتمام بالدولة الوطنية والشعب ومصالحه، بعيداً عن أي مغامراتٍ غير محسوبة العواقب في رغبات التوسع وبسط النفوذ.

قبل هذا بكثير، كتب كاتب هذه السطور في أبريل (نيسان) 2007 مقالة بعنوان مشابهٍ لمقالة اليوم، وهو «إيران ليست كوريا يا سادة»، ولئن كان التاريخ لا يُعيد نفسه فإن البعض ما زال يطرح هذه المقارنة الخاطئة بين كوريا الشمالية وإيران، والعقلانية والواقعية السياسية تفرضان على الكاتب والباحث المختص أن يضيء الفروقات الواضحة بين النموذجين، حتى يكون المشهد الحالي جلياً للمتابع.

كوريا الشمالية لا تمتلك إرثاً حضارياً وإمبراطورياً كما هو الشأن في الحضارة الفارسية وإمبراطوريتها التي لطالما أغرت صانع القرار هناك باستعادة شيء من المجد التليد، ولئن كانت كوريا الشمالية بلداً فقيراً، باقتصادٍ استنزفته الرغبة في حماية السلاح النووي، وجعلت شعبه فقيراً يعاني كثيراً مقارنةً بتوأمه في كوريا الجنوبية، الذي يعيش في دولةٍ متقدمةٍ عالمياً وغنيةٍ اقتصادياً، أما إيران فهي بلدٌ غنيٌّ باحتياطيات كبيرة من النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى.

ثم إن كوريا لديها كوريا أخرى مجاورة لها تستطيع الاعتماد عليها في بناء تنمية مشتركةٍ فيما لو اختارت طريقاً سياسياً مختلفاً، بينما إيران لم تترك دولةً مجاورة لها إلا ناصبتها الخصومة لأسبابٍ متعددة، ومن الاختلافات المهمة أيضاً أن «الجيل الثالث» في كوريا هو الذي استطاع التوصل لحلولٍ عمليةٍ خففت عنه بعض الأعباء، بعدما تعلمت الأجيال المتتالية من دروس التاريخ، والأمر ليس كذلك في إيران؛ حيث ما زال الجيل الأول للثورة الإسلامية هو الذي يقود البلاد، ويمسك بزمام الحكم فيها، وهو الجيل الذي أسقط «الشاه» و«اقتحم السفارة الأميركية»؛ جيل الثورة والأحلام الوردية والآيديولوجيا الثورية، وانتصاره الذي أصبح قديماً في ثورته قد يعشي البصر والبصيرة عن التفكير المنطقي، وحسابات الأرباح والخسائر.

مَن يقرأ تاريخ «الثورات» في التاريخ البشري المعاصر بعدما تبلور مفهومها الحديث، يكتشف بسهولة أنها كانت على الدوام تورث المجتمعات عقبات كَأْداء، وأدواءً متطاولة وعنفاً دموياً شرساً، ويمكن استحضار أهم ثلاث ثورات في العصور الحديثة في «فرنسا» و«روسيا» و«أميركا»، ومن يريد التعمق أكثر فليقرأ كتاب «تشريح الثورة» للمؤرخ الأميركي كرين برينتن ليجد التفاصيل المذهلة من التشابهات التي لا يمكن أن تكون صدفاً.

والسؤال المهم في هذا السياق، هو: هل استطاعت الدولة الإيرانية تجاوز «الثورة» إلى «الدولة»؟ والجواب هو نعم في كثير من المجالات، ولا في بعض المجالات، وبالتالي فسياساتها بدأت التغير، خاصةً بعد ضرب محور المقاومة في لبنان وسوريا واليمن وغزة، إسرائيلياً وأميركياً، وبعدما قرعت «أميركا ترمب» طبول الحرب بشكل قويٍّ أجبر على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشكل لم يكن في مفاوضات «أوباما» الفاشلة قبل عقدٍ من الزمان.

المنطقة بالفعل ما زالت على صفيحٍ ساخن، في غزة ولبنان وسوريا واليمن، وفي العراق أيضاً، أما إيران فهي أمام لحظة حاسمة من تاريخها المعاصر، وهي بحاجة لاعتصار كل حكمة التاريخ وإرث العقل، حتى تستطيع إنقاذ نفسها وإنقاذ المنطقة من تحدٍّ تاريخي غير مسبوق، ولا يتمنى أحدٌ في المنطقة أن يصل هذا التحدي الخطير إلى أمدٍ لا يمكن بعده معرفة المصير.

أخيراً، فعقلانياً، ليس ثمة الكثير مما يمكن عمله، وواقعياً يمكن التغطية على بعض التنازلات السياسية الضرورية بشيء من الشعارات الآيديولوجية التي ترضي الأتباع وتدفع الخطر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران ليست كوريا الشمالية إيران ليست كوريا الشمالية



GMT 23:14 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ذاكرة الرجل الصامت

GMT 23:12 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إسرائيل... لماذا تفوَّقت في لبنان وليس في اليمن؟

GMT 23:10 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

مشهد الشرق الجديد... من يرسمه؟

GMT 23:07 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سبب آخر للاستقالة

GMT 23:05 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

البديل الحوثي للبنان...

GMT 23:04 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

التجويع بهدف التركيع

GMT 23:02 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس؟

GMT 23:00 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ماذا لو رد «الجميل» السلام؟!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح

GMT 12:05 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ميسي يعلن أنه لن يلعب لأي فريق أخر في أوروبا

GMT 13:40 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

الرجاء يخوض منافسات كأس الكاف بقميص جديد

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الوردي والذهبي مع الباستيل آخر صيحات موضة 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib