عن حاجة الإصلاح والإصلاحيّين في لبنان إلى السياسة

... عن حاجة الإصلاح والإصلاحيّين في لبنان إلى السياسة

المغرب اليوم -

 عن حاجة الإصلاح والإصلاحيّين في لبنان إلى السياسة

بقلم :حازم صاغية

يطيب لبعض اللبنانيّين اختلاق تناقض زائف بين مسألتي نزع السلاح واحتكار الدولة له وبين الإصلاح الذي يحاصر فساد الحياة العامّة. وهذا علماً، والشواهد كثيرة ونافرة، بأنّ تفلّت أيٍّ منهما يعزّز تفلّت الآخر ويسانده.

وقد وصل الأمر ببعض مُختلقي ذاك التناقض الزائف حدّ إطلاق نعوت تآمريّة على الإصلاحيّين منسوجة على منوال الأدبيّات اللاساميّة عن «المؤامرة» و»الطابور الخامس» و»الأصابع» التي تتحرّك في الظلام... وفي الفبركات هذه حظي الإعلام المؤيّد للإصلاح بحصّة من التشكيك الخرافيّ والبائس كالاتّهام بـ «تدمير الاقتصاد الوطنيّ» و»إضعاف الشعور القوميّ» وسائر المصطلحات المستقاة من قاموس النظام السوريّ البائد.

لكنّ الإصلاحيّين، وكما تبدّى مع اختيار السيّد كريم سعيّد حاكماً لمصرف لبنان، ظهروا على هيئة من يخوض حرباً بسكاكين مطبخ، أو أنّهم يعوّلون على مسار آليّ يُعفي أصحابه من السياسة، ولو بمعناها اللبنانيّ الملتوي. ولأنّ مسائل كثيرة من صنف مسألة سعيّد مرشّحةٌ لأن تواجه اللبنانيّين، فيما هم يعاودون صياغة حياتهم السياسيّة، تلوح مراجعة الأساسيّات ضرورة متعدّدة الأوجه.

والحال أنّ مواجهة منطق التقاسم الطائفيّ ومعه النظام المصرفيّ القديم ومصالحه الموارِبة، وهما هيوليّا القوّة، ليست بالعمل السهل الذي يتَوهّمه أحياناً بعض الإصلاحيّين. فالمواجهة تستدعي اللعب على تناقضات كتلة السياسيّين والمصرفيّين، ومحاولة تبديد وحدتها، أو أقلّه التقليل من صلابة تلك الوحدة، والسعي تالياً إلى تطوير قواسم مشتركة مع أجنحتها التي يمكن، لهذا الاعتبار أو ذاك، أن تتمايز وتختلف.

وربّما كان ما يحول دون تطوير محاولة كهذه تعلّقٌ عاطفيّ ما بنموذج 17 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2019، الذي شكّل استثناء على القاعدة – استثناءً باهراً إلاّ أنّه، وبوصفه استثناء، غير قابل للتكرار. فكيف وأنّ المسائل السياسيّة – الطائفيّة واستقطاباتها لم تُحلَّ بعد، فيما تعاظمَ منذ ذاك الحين ضغطُها على الحياة العامّة.

وما ينطبق على 17 تشرين ينطبق على شعار «كلّن يعني كلّن» الصفائيّ (purist)، والذي يمكن فهمُه في الظرف الذي وُلد فيه قبل عقد كامل، من دون أن يُقبل كمانعٍ من السياسة إلى أبد الآبدين.

وتدلّنا المحاولات الإصلاحيّة في تاريخ البلد الحديث، بغضّ النظر عن الرأي بإصلاحيّتها، إلى عدم المبالغة بقوّة الإصلاحيّين حين يكونون طرفاً مكتفياً بذاته، وإلى عدم الاستهانة بقوّة سواهم. وهذا ما دفع فؤاد شهاب، الذي يُجمع لبنانيّون كثيرون على إصلاحيّته، إلى تأمين خيمة مسلمة تظلّل مشروعه، ولو قاد ذلك إلى تنازلات كبرى قدّمها للناصريّة، وهذا فضلاً عن استناده إلى طرف مسيحيّ مثّله يومذاك حزب الكتائب. أمّا اليساريّون حين ظنّوا أنّهم يصلحون البلد ويغيّرونه، فانضووا في الخيمة الدرزيّة لكمال جنبلاط، مع ما رتّبه ذلك من ليِّ ذراعٍ مارسه الماركسيّ منهم بحقّ ماركسيّته، والقوميّ بحقّ قوميّته...

وقد نشأت قبل حرب الـ 75 حركات إصلاحيّة عدّة، كـ «الحزب الديمقراطيّ» و»حركة الوعي» الطلّابيّة، شاءت أن تستقلّ، ما أمكنها الاستقلال، عن «التركيبة الطائفيّة»، لكنّ الانفجار الأهليّ الكبير أودى بتلك المحاولات وهي في ريعان شبابها.

وفي عمومها فإن الاحزاب الموصوفة باليساريّة والعلمانيّة تبدّت على هيئة أحزاب في الوقت الضائع، إذ حين جدّ الجدّ استظلّت بخيمة «الطائفة» التي جسّدتها التنظيمات الفلسطينيّة المسلّحة.

وخلاصات كهذه يمكن التوصّل إليها من مراجعة التجارب الكثيرة، ما نشأ منها في أزمنة السلم وما نشأ في أزمنة الحرب، وبغضّ النظر عمّا إذا كانت قد انطلقت من منصّة الدولة لإصلاح المجتمع، أم خرجت من الأخير هادفةً إلى إصلاح الدولة.

واليوم قد يمثّل اللجوء إلى الصفائيّة مبالغة في التمحور حول الذات، فيما منطقة المشرق برمّتها تزداد طائفيّةً، كما يزداد اكتساب الطوائف طبيعة إثنيّة أشدّ انغلاقاً وإحكاماً.

فالإصلاحيّون الصفائيّون يمكنهم أن يحضروا، في هذا الظرف الاستثنائيّ أو ذاك، في المتن السياسيّ، إلاّ أنّ قابليّة دفعهم إلى الهامش تظلّ أقوى بلا قياس. وهذا علماً بأنّهم في الهامش سوف يعاندون التحوّل إلى كتلة واحدة متجانسة، على ما نرى اليوم في أحوال «النوّاب التغييريّين». أمّا الـ «كلّن» فقابلون، للأسف، أن يتحوّلوا، في ظلّ نفخ الاستقطاب الطائفيّ لهم، وانتفاخهم به، إلى أكثريّة الشعب الكاسحة.

وإذا صحّ أنّ الشعب اللبنانيّ في معظمه يستفيد من التغيير والإصلاح، وهو صحيح، فإنّ هذا بذاته لا يمنح الإصلاح قاعدة اجتماعيّة – سياسيّة مؤثّرة يستند إليها في مكافحة المحاصصة والفساد.

وهذه، من دون أدنى شكّ، نظرة محافظة إلى الواقع اللبنانيّ، وإلى الحظوظ القليلة للإصلاح والتغيير ما لم يُقرنا بسياسة تخاطب القوى الطائفيّة المؤثّرة، وتحاول استمالة بعضها الممكن لمواجهة بعضها المستحيل. لكنّ تصنيفها الآيديولوجيّ كنظرة محافظة لا يُدينها، فيما الوقائع والتجارب هي وحدها ما يبرهن خطأها أو صحّتها. ولئن كان ضرر الخطاب البذيء في التهجّم على التغييريّين والإصلاحيّين كبيراً، فأكبر منه ضرر الاستهانة بالواقع والتعويل على إراديّة تستمدّ قوّتها من حسن النوايا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن حاجة الإصلاح والإصلاحيّين في لبنان إلى السياسة  عن حاجة الإصلاح والإصلاحيّين في لبنان إلى السياسة



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib