«حزب الله» والانقلاب اللغويّ في لبنان
الرئيس الأميركي يبدأ جولة دبلوماسية في منطقة الخليج العربي من 13 إلى 16 مايو 2025 تشمل السعودية والإمارات السلطات السورية تعتقل كامل عباس أحد أبرز المتورطين في مجزرة التضامن في دمشق وزارة الصحة الفلسطينية تعلن الحصيلة الإجمالية منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر 2023 بلغت 51,266 شهيدًا و116,991 إصابة الشرطة الإسرائيلية تبحث عن رجل مفقود بعد تعرضه لهجوم سمكة قرش قبالة الساحل إسرائيل تحذف تعزية في وفاة البابا فرنسيس بعد موجة غضب واسع وردود فعل غاضبة من متابعين حول العالم وفاة الفنان المغربي محسن جمال عن 77 عاماً بعد صراع مع المرض الجامعة الملكية المغربية لكرة السلة تقرر توقيف منافسات البطولة الوطنية في جميع الأقسام بصفة مؤقتة وطارئة الصين تطلق ستة أقمار اصطناعية تجريبية من طراز "شيان 27" إلى الفضاء شاب يخسر أكثر من 2400 دولار بعد تحميل صورة عبر واتساب وزارة الصحة الفلسطينية تعلن عن نقص حاد فى مواد الفحص يحرم مرضى الأورام من التشخيص
أخر الأخبار

«حزب الله» والانقلاب اللغويّ في لبنان

المغرب اليوم -

«حزب الله» والانقلاب اللغويّ في لبنان

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

هناك دائماً، وفي سائر العالم، أطراف سياسيّة وإيديولوجيّة تغلّب الدلالة السحريّة للكلمات على دلالتها المفهوميّة. مثلاً، بدل أن تقول: «استولى عشرون شخصاً على موقع عسكريّ»، نراها تقول: «استولت الجماهير على موقع عسكريّ»، وبدل أن تقول: «أُطلقت أعيرة ناريّة على المتظاهرين»، تقول: «حصدت النيران المتظاهرين»...

فالدلالة السحريّة التي يصعب قياسها وتستحيل برهنتها أقدرُ من الحقائق والوقائع على تعبئة الجموع وتحريكها. إنّها تفعل ذلك من خلال صور طبيعيّة أو هيوليّات وخوارق تُشعل المخيّلة الجماعيّة وتُبقيها مشتعلة. هكذا يتمّ تكريس الرواية الكاذبة، وقد أُخضعت للتسحير، في وعي مَن هم مستعدّون لتصديقها. وعن هذا الدفق اللغويّ الكاذب والمُكرَّس ينشأ جوٌّ معبّأ مشحون يعامل الكذب بوصفه يقيناً ثمّ يمضي في تعميم هذا «اليقين» وتداوله.

اللبنانيّون الذين يحكّمون عقولهم ويعطون الأولويّة للمفهوميّ على الدلاليّ يحفظون لائحة كاملة من المصطلحات التي غُيّر معناها، إمّا بالمبالغة أو بالقلب الكامل، وذلك للوصول إلى هدف تعبويّ وإنشاء «يقين» كاذب.

مثلاً، في الخمسينات سُمّي رئيس الجمهوريّة كميل شمعون «انعزاليّاً»، أي أنّه يريد عزل لبنان عن محيطه في العالمين العربيّ والإسلاميّ. لكنّ شمعون كان يومذاك على صداقة وطيدة مع الأردن والعراق والسعوديّة والمغرب وتونس وتركيّا وإيران وباكستان...، وكانت خصومته تنحصر بمصر الناصريّة والضبّاط التابعين لها في دمشق.

الحجّة نفسها استُخدمت في الثمانينات ضدّ من أيّدوا العراق في حربه مع إيران، فسُمّي هؤلاء «انعزاليّين»، علماً بأنّ النظام السوريّ كان الطرف العربيّ الوحيد الذي أيّد إيران.

السياسيّ الراحل كمال جنبلاط سمّى نفسه ثمّ سمّاه آخرون زعيماً لـ «التقدّميّين الاشتراكيّين»، مع أنّه كان أكثر سياسيّي لبنان محافظةً وتقليديّة. وهو حين كان وزيراً للداخليّة في 1963، منع رقصة «التويست» الرائجة حينها، وأمر بترحيل الفنّان الفرنسيّ جوني هاليداي من لبنان. أمّا «اشتراكيّته» فكانت الغطاء اللفظيّ لبعض أكثر الأفكار والممارسات القروسطيّة والصوفيّة.

ومنذ طُرحت فكرة الفيدراليّة في لبنان، وصفتها آلة التعبئة الكلاميّة بأنّها عمل يساوي التقسيم، مع أنّ المصطلح يعني تعريفاً «الاتّحاد». فالدعوة إلى الفيدراليّة، كما يعلم أيّ طالب للعلوم السياسيّة، إنّما تعادل الدعوة إلى الانتقال من وحدة بسيطة ومركزيّة إلى شكل مُركّب ولا مركزيّ من الوحدة.

على أيّ حال، فهذا التعامل مع اللغة بلغ ذروة غير مسبوقة على يد «حزب الله». فالأخير، ومثل تنظيمات دينيّة في بلدان أخرى، تمكّن من أن يزعم لنفسه أنّه حزبٌ لِما لا يقلّ عن الله ذاته. وهذا لا يُسبغ إلاّ التواضع على أحزاب سابقة كانت تقول إنّها أحزاب الطبقة العاملة أو أحزاب الأمّة والشعب...

كذلك استورد «حزب الله» من الأنظمة العسكريّة والأمنيّة العربيّة روايتها الشهيرة في تحويل الهزائم والكوارث إلى انتصارات مظفّرة.

ومع أنّه حزب دينيّ وطائفيّ في آن معاً، ومع أنّ قيادته تقتصر حصراً على رجال دين، فإنّه يقدّم نفسه، ويجد من يقدّمه، ضمانةً للوحدة الوطنيّة ومناهضة الطائفيّة. فوق هذا فهو كلّما استخدم السلاح في الداخل أكّد أنّ سلاحه ليس للاستخدام الداخليّ، وكلّما هجّر سوريّين دافعاً بهم إلى لبنان أكّد على تصدّيه للتكفير الإرهابيّ القادم من سوريّا. ومع أنّ حصريّة السلاح في يد الدولة جزء من أيّ تعريف للدولة الحديثة، فإنّه يقدّم نفسه، ويجد من يقدّمه، بوصفه سنداً للدولة وحليفاً لجيشها.

لكنّ أهمّ ما فعله الحزب، في ما يخصّ تدمير المعنى، هو أنّه أناط بنفسه حماية لبنان وتحريره وضمان كرامته وسلامه الأهليّ. والحال أنّ لبنان لم يعرف في تاريخه الحديث المهانة والفقر والذلّ الذي يعرفه اليوم في ظلّ المقاومة، وهذا معطوفاً على تحلّل في العلاقات الداخليّة بين أبنائه وداخل طوائفه، تحلّلٍ يجعل الحرب الأهليّة صنواً للحياة اللبنانيّة، من عين إبل جنوباً إلى الكحّالة جبلاً، صعوداً إلى نقاط شديدة التوتّر في جرود جبيل ثمّ في أقصى الشمال.

يزيد البؤس بؤساً أنّنا نعيش، لا سيّما في منطقتنا، زمناً يأبى الاعتراف برأي عامّ وببشر يفكّرون. هكذا مثلاً يعلن أمين عامّ «عصائب أهل الحقّ» العراقيّة الشيخ قيس الخزعلي أنّ الموساد الإسرائيليّ هو الذي قتل الإمام علي بن أبي طالب، وذلك بعد ثلاثة أيّام على تصريح الرئيس السوريّ بشّار الأسد بأنّ والده حافظ لم يكن له أيّ دور في وصوله إلى الرئاسة التي لم يبلغها إلاّ بجهده الشخصيّ والحزبيّ فحسب.

إنّ الشيوعيّين الذين أقاموا أنظمة الاستبداد الشهيرة في أوروبا الوسطى والشرقيّة وسمّوها «ديمقراطيّات شعبيّة»، لا يعصف بجثثهم إلاّ الحسد حيال روّاد هذا الانقلاب اللغويّ في منطقتنا، ممّن يتربّع «حزب الله» في صدارتهم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حزب الله» والانقلاب اللغويّ في لبنان «حزب الله» والانقلاب اللغويّ في لبنان



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:48 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات الجينز من مجموعة أزياء كروز 2020

GMT 21:16 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

الغيرة تفسر أزمات بيريسيتش في إنتر ميلان

GMT 17:15 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

دراسة طبية تكشف دور البذور والمكسرات في حماية القلب

GMT 00:11 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

خلطة التفاح تساعد على سد الشهية وفقدان الوزن

GMT 10:25 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

إيلي صعب يكشف عن مجموعته لربيع وصيف 2018

GMT 01:51 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الفنانة بشرى تفصح عن سبب ابتعادها عن الفن أخيرًا

GMT 12:22 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

عموتة يفوز بجائزة أفضل مُدرِّب في أفريقيا

GMT 02:40 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة يعلن صعوبة انتقاء الأغنية الأفضل

GMT 14:17 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

قصيدة عشّاق

GMT 06:19 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

لجين عمران تتألّق خلال افتتاح فندق الحبتور في دبي

GMT 14:15 2016 الأربعاء ,30 آذار/ مارس

هجمات بروكسيل و سؤال العنف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib