في حب الصحراء شريان الحياة

في حب الصحراء: شريان الحياة

المغرب اليوم -

في حب الصحراء شريان الحياة

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

قبل سنوات، كنت قد اهتممت بهذه الظاهرة، خاصة في أفريقيا. زرت ثلاث دول تواصل الصحراء الكبرى زحفها إليها. في مالي، نهر النيجر، شريان الحياة، يترسب ويضيق مجراه. في السنغال، اختفى 20 في المائة من الموارد النباتية منذ الثمانينات، كارثة حقيقية. في المغرب، دُمرت آلاف الهكتارات من الغابات لصالح الزراعة المكثفة، خصوصاً من أجل زراعة الكلمنتين الشهيرة. توسعت الصحراء نفسها، لأن جنوب منطقة الساحل أصبح أكثر جفافاً وتحول إلى صحراء.

فقدان الغابات الطبيعية الأساسية لتنوع الأرض البيولوجي، ليس ظاهرة استوائية فقط، بل يصيب المناطق الشمالية أيضاً. في كندا تم تدمير 177 ألف كيلومتر مربع من هذه الغابات لتلبية احتياجات الأسواق الأميركية والصينية من الخشب والمعادن.

ليست الصحارى محصورة في الجغرافيا الطبيعية فقط. فهناك صحارى داخلية، في الجغرافيا الحميمية. صحراء عاطفية، غياب للروابط مع الآخرين، بحث محموم عن توأم الروح، كما تشهد على ذلك وفرة موقع التعارف. الصحراء العاطفية لا تُعاش فقط وحيداً، بل أحياناً تكون أكثر قسوة داخل علاقة أو مجموعة.

وهناك أيضاً صحراء المرض، حيث يُترك الإنسان مع نفسه، خالياً من الطاقة، يتألم، وأحياناً لا يتعرف على نفسه. صحراء تولّدها أمراض التنكس العصبي التي تصيب الذاكرة ووظائف معرفية أخرى.

وهناك صحارى أخرى كثيرة. صحراء النساء الأفغانيات، المحاصرات أسيرات رجالهن ومجتمعهن، محرومات من أبسط حقوق الإنسان. وصحراء السجون. في الولايات المتحدة وفقاً لمجلة «Slate» هناك 120 ألف سجين يعيشون في عزلة تامة 22 ساعة يومياً، أحياناً لسنوات. كفيل هذا بأن يصيب المرء بالجنون. وهناك من يتحدثون اليوم عن صحراء التفكير، مع ظهور تكنولوجيا تفكر وتتحدث مكان البشر. الكاتب والفيلسوف إريك سادان سينشر هذا الخريف كتاباً بعنوان دال: «صحراء أنفسنا».

ما زلت على كثيبي، يلامسه المحيط. كيف لي أن أكون في مكان كهذا دون أن أفكر في سانت إكزوبيري، طيار الصحراء وكاتب الأمير الصغير الشهير؟ كتب في أرض البشر: «هنا، لم أعد أملك شيئاً في العالم. لم أكن سوى بشر تائه بين الرمل والنجوم، واع فقط بعذوبة التنفس».

هناك صحارى تمنحك النفس، توسّع الأفق، وتضخّمك من الداخل. يعود إلى ذهني ذلك العنوان الجميل للشاعر والدبلوماسي اللبناني صلاح ستيتية: انكسار الصحراء والرغبة. رغبة في شيء آخر، شيء تخبئه تلك الامتدادات الشاسعة.

كثيرون منّا يبحثون عن أراض تمتد فيها الرؤية حتى تتلاشى، عن فسحات واسعة نرتاح فيها – غالباً من أنفسنا. كثيرون ينادون الهواء الطلق، والصمت، والتأمل. الإقبال على الجزر، الجبال، الغابات، البحيرات، البحار، في تزايد مستمر. السعي نحو أماكن مفقودة، ريشة نورس، أو غصن صغير بين الأسنان، يجذبنا بقوة.

من خيامنا، أو خيام اليورت، أو أكواخنا، نُحدّق في الفجر، منبهرين. نرغب في قطف الشفق القطبي في يناير، وتوت الحقول البري في يوليو. أقدامنا في القصب، أو الثلج، أو أوراق الخريف الذابلة، نركض تحت الغيوم، نبحث... نبحث، كلّ منا عن صحرائه، حيث – لبضع ثوان فقط – يسود السكون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في حب الصحراء شريان الحياة في حب الصحراء شريان الحياة



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

GMT 14:16 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

عصر الليمون في نيويورك

إليسا تخطف الأنظار بإطلالات تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم
المغرب اليوم - موسم الرياض الترفيهي 2025 يسجل حضور مليون زائر منذ انطلاقه

GMT 17:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بوتين يشيد بصاروخ نووي فريد لا تملكه أي دولة
المغرب اليوم - بوتين يشيد بصاروخ نووي فريد لا تملكه أي دولة

GMT 20:39 2025 الخميس ,03 تموز / يوليو

جورج بوش يوجه انتقاداً نادراً لترمب

GMT 16:46 2023 الجمعة ,10 شباط / فبراير

روسيا تُطور سفن إمداد بحري بمواصفات مميزة

GMT 17:03 2023 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

برشلونة يفتتح مشواره في كأس ملك إسبانيا ضد إنتر سيتي الليلة

GMT 11:11 2022 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

المغرب يتراجع إلى المركز 94 عالمياً على "مؤشر سيادة القانون"

GMT 21:07 2022 السبت ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

نزاهة الانتخابات فى الولايات المتحدة "أولوية قصوى"

GMT 14:45 2022 الإثنين ,05 أيلول / سبتمبر

أرسنال يبدأ التحرك لضم خط وسط بعد إصابة النني

GMT 16:54 2022 الثلاثاء ,11 كانون الثاني / يناير

القاضية غادة عون تُصدر قراراً بمنع رياض سلامة من السفر

GMT 04:57 2021 الأحد ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل بنشرقي والزمالك يدخل مرحلة الغموض

GMT 13:15 2021 الإثنين ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"ناسا" تطور مشروعا جديدا لدراسة مناخ الأرض
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib