وثيقة نموذجية للعلاقة بين النجم الاستثنائي والشاعر الكبير

وثيقة نموذجية للعلاقة بين النجم الاستثنائي والشاعر الكبير

المغرب اليوم -

وثيقة نموذجية للعلاقة بين النجم الاستثنائي والشاعر الكبير

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

من أمريكا عبر المحيط أكتب لك معبرًا عن شوقى وحبى وشكرى على كلمتك الحلوة الرقيقة، ولأقول لك كل سنة وأنت طيب وأنت سعيد وأنت بكامل صحتك وكل سنة وأنت تملأ الدنيا شعرًا وحياة، وكل سنة وأنت معنا نحبك وتحبنا وتملأ حياتنا بكلماتكم الحلوة..

أقبلك وإلى اللقاء القريب إن شاء الله

أخوك عبدالحليم»

ما تقرأه هو تلك الرسالة التى بعث بها «عبدالحليم حافظ» إلى «كامل الشناوى» فى مطلع شهر ديسمبر 1963 لكى يشاركه احتفاله بعيد ميلاده، واحتفظت بها ضمن أوراقى الخاصة ووجدتها تصلح لكى نستعيدها فى هذا الزمن الذى اختلطت فيه العديد من الأوراق.

كان «عبدالحليم حافظ» حريصًا على أن تتأكد أواصر صداقته بكبار الكتاب وعلى متابعة ما يكتبونه حتى لو كانت كلماتهم نشرت فى غيابه.

أتوقف أمام رسالة يزيد عمرها على ستين عاما، تؤكد إلى أى مدى كان «عبدالحليم» دائمًا فى حالة يقظة بكل ما يجرى حوله حتى وهو خارج الحدود، تجد فى كلمات الرسالة شيئا خاص وحميميا يعبر عما كان يجمع بين «كامل الشناوى» و«عبدالحليم حافظ».

منح «كامل الشناوى» قوة دفع لعبدالحليم فى بداية مشواره، بعد أن قدم أغنية (على قد الشوق اللى فى عيونى) عام 1954، اعتبرها «كامل الشناوى» فى مقال نشره على صفحات جريدة «الأخبار» بمثابة الطائر الذى حلق بعبدالحليم إلى سماء النجومية.. وكان «كامل الشناوى» صديقًا للأربعة الكبار فى دنيا النغم.. كثيرًا ما كان بينهم صراعات معلنة ومستترة: «أم كلثوم»، «عبدالوهاب»، «فريد»، «عبدالحليم»، ورغم ذلك كان لكل منهم فى قلب «كامل الشناوى» مساحة خاصة!!.

فى حياة «عبدالحليم» كان حريصًا على أن يظل محاطًا بالكبار «كامل الشناوى»، «مصطفى وعلى أمين»، «إحسان عبدالقدوس»، «أحمد بهاء الدين»، «صلاح جاهين» ثم ينتقل إلى الجيل التالى «مفيد فوزى»، «وجدى الحكيم»، «منير عامر»، «محمود عوض»؛ ليظل فى بؤرة الإعلام. ونكتشف أن الإعلام كان يمنح «عبدالحليم» مساحات تتجاوز حتى ما هو ممنوح لأم كلثوم.. لا يمكن أن نعزى ذلك سوى للذكاء الاجتماعى الذى تمتع به مستلهما فى العديد من المواقف أستاذه محمد عبدالوهاب.

نعم، فى حياته كان قادرًا على أن يظل هناك خيط سحرى يربطه بالإعلام مرئيًا ومسموعًا ومقروءًا.. الموهبة لا تكفى.. لكى تحافظ على نجاحك، ينبغى أن تتوفر لها حماية أخرى من خلال الإعلام، ناهيك عن ضرورة معايشة الزمن.

قبل نحو ربع قرن فى زمن انتشار (الفيديو كليب) نهاية التسعينيات سألت الموسيقار كمال الطويل: ما الذى كان سيفعله عبدالحليم لو كان بيننا الآن وقد تجاوز السبعين من عمره؟ أجابنى سيغنى فيديو كليب على طريقة عمرو دياب، وسيقدم أغانى فى الحفلات تشبه ما يقدمه كاظم الساهر، ستشاهد على المسرح أداء وليس مجرد غناء!!

عندما نسأل فنانا عن مكانته بين زملائه، يقول لك تلك الإجابة التى صارت (كليشيه): «ليس لى دخل بالآخرين، أنا فقط لا أفكر إلا فى اختياراتى وربنا يوفق الجميع».

«عبدالحليم» كان يراقب الجميع. النجاح الذى يحققه أى فنان يتابعه ويتأمله ويحاول أن يعثر على أسبابه، لا يَعتبر الآخرين غير متواجدين على الساحة ولا ينكر أنه يتابعهم، وكان أحيانًا يتدخل بذكاء فى إشعال التنافس بين منافسيه، حتى يبددوا طاقاتهم فى الصراع فيما بينهم مثلما كان يحدث بين محرم فؤاد ومحمد رشدى، بينما هو يواصل التقدم بمفرده.. نعم، لم يكن «عبدالحليم حافظ» هو هذا الفنان الحالم كما كنا نشاهده دائمًا من خلال تلك الصورة الذهنية التى صدرها لنا فصارت راسخة فى الوجدان، وكان يعلم متى يخوض المعركة ومع مَن. عندما سألوا شريفة فاضل فى أحد البرامج الإذاعية أن تمنح صوت عبدالحليم درجة من عشرة قالت (7 من 10)، سألوه فى نفس البرنامج عن درجة شريفة فاضل أجابهم (10 من 10)، ولم يدخل أبدا فى تلك المعركة التى حتى لو انتصر فيها تنال منه.

كبار الكتاب كانت لديهم أيضًا القدرة على أن يرسموا بدقة صورة «عبدالحليم حافظ»، يكتشفون المناطق التى يصدرها والأخرى الممنوعة التى يخفيها، وهذا هو ما دفع «كامل الشناوى» إلى أن يطلق عليه تعبيرا صار لصيقًا به وكأنه مفتاح لشخصيته (عبدالحليم يصدق إذا غنى ويكذب إذا تكلم)، البعض يرى فيها نصف الكوب الفارغ فهو إنسان كاذب، ولكنك لو تأملت النصف الثانى ستجده ملآنًا، يؤكد أن «عبدالحليم » فنان صادق وأنه خلق لكى يبدع فنًا، كل شىء بالنسبة لعبدالحليم كان لديه وظيفة واحدة ووحيدة وهى أن يضع «عبدالحليم حافظ» فى مكانة (الألفة).. قد يضحى بصداقة.. قد يلجأ إلى الضرب تحت الحزام كى يستحوذ على لحن أو ملحن أو شاعر.. من الممكن أن يستخدم سلاح السخرية أو حتى التشنيع.. قد تبدو مثل هذه الكلمات تحمل قدرًا من القسوة، وتخاصم الصورة الذهنية الراسخة.

دعونا نتفق على أن كل العمالقة فى حياتنا ليسوا ملائكة ولهم مساحات تتفاوت أحجامها، يلعبون فيها دور الشيطان وتصبح كل الكلمات قبل وبعد ذلك مجرد صواريخ ملونة يرسلها فى السماء لكى تلفت إليه الانتباه والأنظار، لنتابعه بشغف بمجرد أن يغنى!!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وثيقة نموذجية للعلاقة بين النجم الاستثنائي والشاعر الكبير وثيقة نموذجية للعلاقة بين النجم الاستثنائي والشاعر الكبير



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 19:22 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران
المغرب اليوم - بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران

GMT 23:50 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية
المغرب اليوم - إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية

GMT 23:02 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج
المغرب اليوم - واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج

GMT 01:02 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دواء جديد يحمي مرضى السكري من تلف الكلى
المغرب اليوم - دواء جديد يحمي مرضى السكري من تلف الكلى

GMT 01:37 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب
المغرب اليوم - فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب

GMT 10:37 2012 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سوتشي مدينة التزلج الأولى في روسيا تستضيف أوليمبياد 2014

GMT 14:25 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

انهيار برج ضخم في مصافي حيفا

GMT 10:35 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف أن الهواتف الذكية تجعل المراهقين غير ناضجين

GMT 06:57 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

السودان تحذر من فيضانات على ضفتي النيل الأزرق والدندر

GMT 05:52 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

الخبيرة منى أحمد تُبيِّن مدى قبول كلّ برج للاعتذار

GMT 05:30 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

CGI wizardry تعيد الحضارات القديمة وتجسدها للزوار

GMT 08:13 2016 الجمعة ,22 إبريل / نيسان

بيبيتو يكشف دور ميسي وسواريز في تألق نيمار

GMT 18:04 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وزير الرياضة يناقش خطة اتحاد الجودو في 2018

GMT 21:02 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي يحرم الوداد من منحته السنوية

GMT 07:23 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"روائح مبعثرة" المجموعة القصصية الأولى للعسيري

GMT 05:34 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"سيات ليون كوبرا" ضمن أفضل 5 سيارات في "اليورو"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib