الفتنة الكبرى

الفتنة الكبرى!

المغرب اليوم -

الفتنة الكبرى

عبد المنعم سعيد
بقلم : عبد المنعم سعيد

«الفتنة الكبرى» هو عنوان تاريخى لما جرى للمسلمين بعد وفاة النبى محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وسلامه؛ والتى جرت فيها الحرب بين المؤمنين والمرتدين، ثم بعد ذلك اشتعلت الفرقة بعد عهود من الفتح الإسلامى واتساع نطاق الدولة فقضى أمر الخليفة الثالث عثمان بن عفان بعد أن سُمِّمَ الخليفة الثانى عمر بن الخطاب، وبعد ذلك نشبت حرب ضروس بين الخليفة الرابع على بن أبى طالب ومنافسه على الخلافة معاوية بن أبى سفيان، واستمرت بعد ذلك حتى مقتل الحسن والحسين. القصة قاسية فى مجملها وخلقت الكثير من الفرقة بين المسلمين عندما أصبحت فصائل ومذاهب أضعفت الخلافة والدولة والسلطة القائمة لتنظيم حال المسلمين عامة والعرب خاصة حتى أغار عليها الصليبيون والاستعمار بأشكاله المختلفة. ومع الاستقلال فى القرن العشرين زاد الاهتمام بدراسة «الفتنة» وبات كتاب عميد الأدب العربى طه حسين مرجعية تحت هذا العنوان الكبير؛ ومؤخرا فإن الأستاذ إبراهيم عيسى اخترق المجال بثلاثية رائعة وشاملة التأريخ والتحليل والتحذير.

هذا التراث من «الفتنة» تداخل معه فى وقتنا الحالى أمران: الأول هو ظهور «أصولية الإسلام السياسى» مشكلة فى حركة الإخوان المسلمين وتوابعها الممتدة حتى القاعدة وداعش؛ ثم فروعها السنية والشيعية التى أخذت من القضية الفلسطينية عناوين العنف والعسكرة وتقسيم الدول تحت شعار «المقاومة» و«الجهاد» خالقة فتنة من نوع خاص داخل البلد الواحد والدولة الواحدة بما فيها الكيانات السياسية مثل مشروع الدولة الفلسطينية الذى تحول إلى «فصائل» تكون الوحدة بينها جزءا أصيلا من السياسة العربية. الثانى التطورات التكنولوجية المعاصرة التى مدت هذه الفصائل بأدوات خاصة لتعميق الفتن التاريخية وخلق أنواعا جديدة منها تلائم الدول العربية المعاصرة من حيث خلق منافسات وهمية فيما بينها وتعبئة الجماهير حولها من أدوات «التواصل الاجتماعى». وفى مصر وحدها فإن 97٪ من الشعب المصرى يمتلك تليفونا جوالا يملك قدرات كبيرة للتعامل مع التطبيقات المختلفة التى تمنح القدرة على الاستقبال والإرسال والاشتباك والارتباط مع جماعات أخرى فى محتوى يميل إلى الفرقة والانقسام والشرذمة.

ما يدفع إلا استعادة كل ما سبق هو أن الفتنة - لعن الله من أيقظها - أصبح جمهورها ليس بقليل من ناحية، وجاذبا لجماعات كثيرة جاهزة بالتشاؤم والسأم من أشكال المحتوى الإعلامى الجارى للدخول من منصاتها الخاصة بالوقود اللازم لإشعال أشكال كثيرة من الافتراق. هذه الحالة فى الأغلب تدفع بعيدا المناسبات التى وقف فيها العالم العربى موقفا موحدا كما جرى بين الدم والنفط فى حرب أكتوبر 1973؛ وعندما جرى احتلال الكويت 1990 وتحريرها فى 1991. وفى التاريخ المعاصر فإن مواجهة «الربيع العربى» القائم على الفوضى والأصولية لم تكن تقلص من مكاسبها دونما التعاون الذى جرى بين الدول العربية التى توحدت على مساندة البحرين ومصر والأردن والمغرب وتونس فى التخلص من الأصولية الإخوانية وأمثالها والتحرك وفق «رؤية» مستقبلية تقوم على الوحدة وليس الانقسام، والبناء وليس الهدم، والسعى نحو السلام وليس الحرب.

وضع النقاط على الحروف وتحتها يستدعى النظر فى المحاولات التى تسعى إلى شق صف العلاقات المصرية الخليجية فى عمومها، والمصرية السعودية خاصة من خلال خلق مناخ من المنافسة السلبية التى تكسر الوحدة والترابط؛ وتستغل كل حادث لدس روح الغيرة والعداء والكراهية. ولأن النار كثيرا تأتى من مستصغر الشرر فإن الالتحام الحالى بين الشعوب نتيجة الاقتراب الاقتصادى، والتعاون الاستراتيجى فيما يتعلق بالأوضاع فى المنطقة والتعامل مع «القضية الفلسطينية» فى وقت أزمة هى الأشد فى تاريخها؛ واجه واقعة مشادة ما بين مصرى وزوجته فى ناحية، وفرد أمن سعودى من ناحية أخرى. وفى علاقة يتفاعل فيها الملايين من البشر على الجانبين فإن أشكالا من الاحتكاك التى تحدث داخل الأسرة الواحدة يحدث لها أنواع كثيرة من المزايدة والوقيعة والتضخيم، ويعقبها تدخل أبواق الإخوان المسلمين وغيرهم من الأصوليات التى تذيع على مدار الساعة دسا شريرا يصبح فيه ما هو عارض حربا قائمة.

اللحظة العربية القائمة حاليا والتى تقوم على 12 دولة عربية متماسكة وطنيا وليس فيها ميليشيات ولا حرب أهلية ولديها «رؤية» مستقرة التنفيذ تقوم على البناء والتعمير والسعى نحو الاستقرار الإقليمي؛ تواجه الآن هذه الأنواع من الدس النفسى والإعلامى الذى يسمم العلاقات ويخلق مناخا للفتنة. الوجه الآخر للعملة والقائم على درجة كبيرة من التواد والتراحم والتكامل الإقليمى للأسف لا يكاد ظاهرا فى الصورة، فلا التعاون فى مجالات الطاقة وتنمية إقليم البحر الأحمر؛ وغيرها السياسى والإستراتيجى ليس منظورا. التواجد السلبى من ناحية والآخر الإيجابى فى الناحية الأخرى يجعل الأول يشكل خطرا على الثانى ويحتاج معالجة سياسية فعالة على مستويات عالية وراقية. ومن المدهش أنه لا يوجد ما بين البلدين والإقليمين - الخليج والبحر الأحمر - مركز للدراسات والبحوث التى تبحث وتواجه السعى نحو «الفتنة الكبرى» وإشعال النار من مستصغر الشرر. اللهم قد بلغت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفتنة الكبرى الفتنة الكبرى



GMT 17:42 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قمامة من؟

GMT 17:39 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

«القاعدة» في اليمن... ليست راقدة!

GMT 17:36 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف اخترق ممداني السَّدين؟

GMT 17:34 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

لحظة ساداتية لبنانية ضد الهلاك

GMT 17:30 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جريمة أستاذ الجامعة

GMT 17:12 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (2)

GMT 17:10 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أخطأ ياسر ولكنه لم ينافق!!

GMT 16:53 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

المشروع الوطنى

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:49 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا
المغرب اليوم - المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا

GMT 19:51 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي
المغرب اليوم - لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي

GMT 20:20 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كوشنر يؤكد رفض واشنطن تصفية مقاتلي الأنفاق
المغرب اليوم - كوشنر يؤكد رفض واشنطن تصفية مقاتلي الأنفاق

GMT 09:18 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026
المغرب اليوم - ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026

GMT 12:22 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

رحلة إلى العصور الوسطى في بروغ البلجيكية

GMT 14:15 2015 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

نادي "مسيمير" يسعى إلى تحقيق أول فوز له أمام "الخريطيات"

GMT 14:18 2014 الخميس ,31 تموز / يوليو

شورت الجينز سهل التنسيق مع الثياب الصيفيّة

GMT 07:15 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التجار يحصون خسائرهم بعد حريق سوق الصالحين بسلا

GMT 08:21 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

زيّني منزلك بوسائد بنقوش وزخارف هندية

GMT 06:35 2018 السبت ,29 أيلول / سبتمبر

تعرفي على أحدث ديكورات غرف نوم الأطفال في 2018

GMT 16:53 2024 الجمعة ,02 شباط / فبراير

المغربية غزلان الشباك توقع لفريق إسباني

GMT 18:16 2023 الجمعة ,14 إبريل / نيسان

9 علامات تحذيرية من السرطان عند النساء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib